ملبيّاً دعوةَ ميشيل فوكو إلى “أن نشكّك بأنفسنا حول تطلعاتنا إلى نوع القوة الذي من المفترض أنه يصاحب العلم” (1980، 81)، يستقصي هذا الفصل الافتتان المعاصر بالعلم في علم السياسة؛ ويبيّن أيضاً كيف أن فرضيات أساسية ومصطلحات متكرّرة، عملتْ كي تمثِّلَ قيماً ليبرالية عبْرَ جعلها تبدو بديهية. وتمَّ إنتاجُ جماعة ابستمولوجية عند تقاطع مجموعتين من المعايير: الإيمان بالقيمة الضمنية للعلم كمنهجٍ لإنتاج الحقيقة الموضوعية عن العالم الواقعي، من ناحية، والالتزام بقيمة الحفاظ على الليبرالية، من ناحية أخرى. ويشيرُ التقاطعُ بين العلم والليبرالية، الذي ليس مجرد اجتماع جرى بالمصادفة بين مجموعتين من المعايير، إلى تبادلية موجودة منذ مدة، ويشيرُ، كما سنرى، إلى قرابة اختيارية بين طرق التفكير. (1) ذلك أن الممارسين المعاصرين للعلم، في علم السياسة، لا يناصرون الطرق العلمية كمحايدة قيمياً فحسب بل يميلون أيضاً إلى قبول الفرضيات الأساسية نفسها(عن الطبيعة البشرية، والحياة الجيدة، والحكومة الملائمة، والأشكال المقبولة من الأدلة). ويستخدمون قاموس مفردات (مجموعة من القيم والتجاورات والاستعارات والعبارات) يصفُ مكتشفاتهم، فيما يحدِّدُ أيضاً أية مجادلات تُعَدُّ قابلةً للفهم وجادةً وجديرةً بانتباه الباحثين.
كانت دراسة الشرق الأوسط مشروعاً إشكالياً على الدوام في سياق التزامات علم السياسة بالموضوعية العلمية، وبإنتاج، أو على الأقل بحماية، النظام الليبرالي الأميركي. فقد ظهرتْ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (2001) مباشرة مقالاتٌ متتالية شكتْ من نقص الخبراء في المؤسسات الصفوة، ومن غياب الاهتمام لدى علماء السياسة بتغطية المنطقة. أما الوكالات المُقدِّمة للمنح والجامعات فقد تدافعتْ كي تعوِّضَ الزمن الضائع، وأنشأتْ برامج ومناصب تدريسية خُصِّص كثيرٌ منها لـ “فهم الإسلام”، أو لتقويم مخاطر المنطقة على الأمن الأميركي. وحثّتْ حروب الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق نقاد إدارة جورج بوش على استحضار صور “إمبراطورية منبعثة” (الخالدي، 2004)، بينما أورد مؤيّدو الإدارة حججاً من أجل الحفاظ على الإمبراطورية (مثلاً لويس، 2002) أو اعتمدوا على تبريرات تافهة للنزعة العسكرية الأميركية (مثل هنتنغتون، 1993، 1996). وفي المجمل، شاهدنا انتقال السياسة العسكرية الأميركية من تدخل مباشر في أمكنة مثل كوريا وفيتنام في الخمسينيات والستينيات إلى “حروب بالوكالة ذات قوة منخفضة” في السبعينيات والثمانينيات، ثم العودة إلى “حرب مباشرة ذات قوة مرتفعة” (ممداني،178-9) بدءاً بغزو العراق في 1991. 2 وبعد أن التزمتْ إدارة أوباما بخفض عدد الضحايا الأميركيين، زادت بشكل كبير من عدد هجمات الطائرات التي بدون طيار (الدرونز)، مستبدلةً الاحتلال العسكري المباشر باستراتيجية هجينة دعتْها صوفيا فينر “حرباً مباشرة منخفضة القوة”، وهذه هي السياسة التي اتُّبِعَتْ مؤخّراً في سوريا وليبيا واليمن والعراق بعد الاحتلال.3 وبالطبع لم يتبع إنتاجُ الباحثين السياسةَ العسكرية الأميركية خطوة خطوة لكن الاهتمام البحثي المتجدد، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، الذي تواصل، بتركيزٍ متقطّعٍ، على الحركات الاجتماعية، والإعلام الجديد، والإمكانية الثورية، طغتْ عليه الآن، خاصة في علم السياسة، اهتماماتٌ مألوفةٌ بالتمرد و”الحرب على الإرهاب” المتواصلة.
وكما هو معروف، شدَّد إدوارد سعيد (1978) على الصلات بين الإمبراطورية والأشكال المميّزة للمعرفة، وكما فعل كتابه الاستشراق، يحدِّدُ هذا الفصل أيضاً الأوضاع المعيارية (في هذه الحالة في علم السياسة) التي ساعدتْ في جعل رؤى مميّزة عن الشرق الأوسط العربي والإسلامي، بأنه متخلف على نحو خاص أو إشكالي على نحو جوهري، ممكنة. أقول إن هذه الرؤى ليست مجرد زخارف لهيمنة إمبريالية موجودة بشكل مستقل؛ بل جزء جوهري من المشروع الإمبريالي نفسه. 4 ولا يهدف هذا الطرح إلى الإيحاء بأن جميع علماء السياسة يشاركون في إعادة إنتاج إمكانيات للإمبراطورية، أو أنهم يفعلون هذا دون مساعدة أو بصورة متعمدة. لهذا السبب، يختلف هذا الفصل مع مقاربات (بما فيها تلك التي ألهمها سعيد) تعزو قوةً سياسية إلى الخطابات البحثية دون التعامل مع الطرق التي يعمل بها البحث داخل أطر خطابية ومؤسساتية أوسع. أعالج أيضاً جَزْرَ ومدَّ البحث النقدي. لكن الحجّة الرئيسية هنا تركّز على صعوبات مناقشة مجموعة من الأسئلة (في الواقع غياب الفضاء المفهومي الضروري للتعامل معها) تركّز الانتباه الرئيسي على أمراض السياسة الأميركية. ولا نملك في علم السياسة أجندة للبحث تركّز على لماذا كانت الولايات المتحدة في الحرب (بطريقة أو أخرى) منذ الثلاثينيات. وحين يفكّر علماء السياسة بمشكلات الحرب الأهلية، أو بتحديات تواجه حلَّ صراع بصورة عامة أكثر، نادراً ما يناقشون صناعة الأسلحة الأميركية التي تدرُّ ترليونات من الدولارات، أو الطرق التي يعرقل بها الكَسْب من الحرب السلام.
وكما يعرف الجميع، ليس من الواضح بتاتاً كيف ستنجسم تواطؤات علم السياسة مع الإمبراطورية الأميركية مع مَظْهريْ علم السياسة اللذين، كما قلتُ أعلاه، يعرّفان حالياً الفرع: الالتقاء، أو ربما بشكل أكثر دقة تاريخياً، التكتّل المتواصل بين العلم والليبرالية في أشكال جديدة. يشرح هذا الفصل هذه الصلات فيما يبحث في كيف بنتْ القناعات البحثية، ممتزجةً مع وقائع السياسة الخارجية الأميركية، المصطلحات التي يُدْرس بها الشرق الأوسط اليوم. ويستقصي الجزء الأول التزامات الفرع المتناقضة ظاهرياً بالحياد القيمي والقيم الليبرالية، فيما يُبْرزُ الفصل الثاني العلاقة التكوينية بين العلم والليبرالية والإمبراطورية في صناعة سياسة الشرق الأوسط الحديث كمجال للبحث الأكاديمي. ويجب التنبيه من البداية إلى إن كلمتي “إمبراطورية” و”إمبريالية” مشحونتان سياسياً هذه الأيام. وبحسب التعريف الوارد في قاموس أكسفورد للغة الإنكليزية، أعني بكلمة “إمبراطورية” دولةً تتمتّع بهيمنة سياسية واقتصادية وعسكرية واسعة. وفي عصر الدول ـ الأمم، تمارسُ الدول الإمبريالية عموماً هذه الهيمنة على الشعوب التي يُنْظَر إليها (من قبل الغازي والمغزوين) كمختلفة عن (بمعنى غير مهيأة للدمج فيها) الدولة المهيمنة التي تمارس السيطرة.
التقاء العلم والليبرالية: السياق، النص، والتأثيرات
منذ إنشاء الجمعية الأميركية للعلوم السياسية في 1903 حتى الوقت الحاضر، حدثتْ محاولات متكررة داخل الجمعية “لتحويل دراسة السياسة إلى علم مستقل” (د. روس 1991، 288؛ انظر هيني وهانسن 2006). وبالرغم من تنويعات مهمة بين الوضعيين، واختلافات دالة بين الوضعيين واللاوضعيين (بما فيه حول ما تعنيه “الوضعية”)،استلزمتْ الجهود لجعل علم السياسة علماً بصورة عامة فَصْلَ الحقائق عن القيم، وتحديد مبادئ تشبه القانون تحكم الفعل السياسي، وإخضاع هذه القواعد لاختبارات إمبريقية. وفي هذا السياق، تتمتّع الموضوعية بـ “هالة من الوضوح الذي لا يحتاج إلى برهان”، أي الاتفاق العملي حول ما يُحْسب كحقيقة، والطرق التي تُنْتَجُ بها المعرفة عن الحقائق (شابن وشافر 1985، 13-14) . ويُعبَّر عن تطبيقات علم السياسة المهيمن لمبادئ وضعية، الملتزمة بالموضوعية والبحث المحايد قيمياً، في تفسيرات عليّة تعتمد على فهم قانوني لما يستلزمه التسبيب. في هذا المنظور، إن مهمة العلم، التي صاغها ديفد هيوم وجعلها كارل همبل رسمية، هي اكتشاف “قانون يشمل”، ويمكن القول إنه ينتج الحدث المرصود في سياق أوضاع أولية قابلة للرصد (همبل 1965؛ حول الوضعية، انظر هاكنغ 1983 ك كادرمان 1997؛ جونسون 2006).
وخلافاً للالتزامات العلمية بالموضوعية والبحث المحايد قيمياً، ثمة أبحاث كثيرة في “التيار الرئيسي” لعلم السياسة افترضتْ مسبقاً، وتاريخياً أيضاً، قيمة السياسة الليبرالية (د. روس 1991؛ ريتشي 1984ك غونيل 1993). وجسّدتْ الليبرالية، مثلها مثل الوضعية، أفكاراً مختلفة، وتم تحديدها بشكل متنوع في مواقع جغرافية وتاريخية مختلفة. وبالرغم من هذه الاختلافات، يمكن وصف التراث الليبرالي في علم السياسة من خلال أربع فرضيات متواشجة عن الصلة بين الذاتية الإنسانية والحكم الجيد (ريتشي 1984، 72- 73). أولاً، يولد البشر كأفراد لهم حقوق، والحكومة الجيدة هي التي تحمي حقوق الفرد غير القابلة للإلغاء. ثانياً، إن الكائنات البشرية قادرة على التفكير بوضوح وعقلانية؛ والمؤسسات الجيدة هي التي تصقل التوجهات البشرية إلى العقل. ثالثاً، يجتمع الأفراد بشكل طبيعي ويشكّلون مجموعات من أجل أن يعزّزوا اهتماماتهم ويفحصوا اهتمامات الفئات المنافسة؛ إن المؤسسات الجيدة هي التي تشجّع الاهتمامات الجمعية فيما تخفّف من الصراعات العنيفة المحتملة. رابعاً، إن الأفراد قادرون على تشكيل حكومات تعمل ديموقراطياً، أي تستجيب لإرادة الناس5؛ إن الحكومات المحلية الجيدة هي التي تقدم آليات إجرائية كالانتخابات تُمكّن الناس من ممارسة إرادتهم كأفراد.
إن التشابكات بين علم السياسة والليبرالية، إذا ما امتزجتْ مع تأكيدات على الفصل بين الحقيقة والقيمة، يمكن أن توحي بأن ما نحتاج إليه هو علم أفضل، وأكثر تماسكاً، لكن ليست هذه نقطتي6. كما أنني لا أزعم أن العلم الاجتماعي الوضعي سيء. بالأحرى، أريد أن أستبعد شرعية أوعدم شرعية المشروع، وأفكر كيف أن الإلحاح على الفصل بين الحقيقة والقيمة، بصورة خاصة، أسهم في حدوث ثلاث نقلات ملحة في الفرع. أولاً، منعَ الفصلُ النظرَ إلى العلم كقيمةٍ في حد ذاته، وفي الواقع كميتافيزيق. ذلك أن علماء السياسة لا يميلون إلى أن يسألوا كيف تعمل المعرفة العلمية كي تصقل الإيمان العاطفي، أو لماذا العلم هو ضمنياً الشكل الأكثر قيمة من المعرفة. ثانياً، منع الفصلُ بين الحقيقة والقيمة التفكير في كيف تتوحّد الفرضيات الابستمولوجية والالتزامات السياسية ـ القومية كي تدافع عن استقرار السياسة الليبرالية، وكيف أن الليبرالية هي، في حد ذاتها، إيديولوجية أو “مهيمنة”، وكيف يساعد علمُ السياسة في جعلها هكذا. وبتعبيرٍ مختلف، تمتلك الابستمولوجيات سياسة، ويميل إنتاجُ المعرفة في علم السياسة إلى دعم فرضيات وتطلعات ليبرالية معينة حتى حينما يُنْظر إلى التوجيه الواضح و”التحيز” على أنهما خارج الأهداف الموضوعية للعلم. ثالثاً، يسمح الفصل بين الحقيقة والقيمة بأن يُنظر إلى المنهج، بصورة خاصة، كمحايد قيمياً، كتقنية مُفْرَغة من الافتراضات المعيارية. وتسمحُ وجهة النظر هذه لعلم السياسة الوضعي بأن يَشْغَلَ منصب المكتشف والمدرّس والمطبّق المرخّص (لأنه غير مهتم) لما يُعَدُّ مقولات صحيحة أو مبررة عن السياسة، وهذا منصبٌ متناغمٌ مع ميل الليبراليين إلى رؤية الليبرالية كمحايدة أيضاً.
كان التأثير الرئيسي الناجم عن فصل تقصي الحقيقة عن الفحص الفلسفي الصارم هو أن الجماعات الابستمولوجية المهيمنة صارت مدعومةً بوسائل خطابية مؤسساتية وعملية بدلاً من محاولات موثوقة لاكتناه الحقيقة. وتساعد الاستراتيجيات المتبعة في الفرع (كمثل تأليف مقرر جامعي منهجي مصمم كي يوحّد الفرع) وممارسات سمسرة تتمتع بسلطة (مثل رفض الحجج التي خارج السيطرة، والتي هي ابستمولوجياً تدعو إلى مراجعة الباحث لذاته وأدواته) وضع القواعد واستنباط المعايير التقويمية التي بحسبها تُعدُّ المقولات عن العالم معرفةً أم لا. وتُقدِّم هذه الأنشطة وتطبِّق، في الوقت نفسه، معاييرَ عما يمكن أن يُسأل أو لا يُسْأل. وهي تثبّط عادةً فَحْص الممارسات التي توحّد الفرع وتجعله سوياً، وتمكّن من ازدهار أنواع معينة من المعرفة فيما تعرقل أو تجرّد من الأهلية طرقاً أخرى في المعرفة. بتعبيرٍ آخر، بالإضافة إلى مهمات خلق جو اجتماعي للطلاب ـ المواطنين، ونصح مسؤولي الحكومة، يعمل علمُ السياسة، وعلى نحو غير مفاجئ، كفرعٍ يعاودُ إنتاج المعايير وعمليات المنع والتقاليد والقيود التي تولّد معايير لتحديد الخبرة. وفي علم السياسة، تشدّد هذه الخبرة على إمكانية وأهمية السعي وراء علمٍ محايد قيمياً، من ناحية، ورؤية سياسة ليبرالية عقلانية، من ناحية أخرى.
ويمكن القول إنه بالرغم من أن هذا التكتّل بين الليبرالية والعلم كان سمةَ علم السياسة منذ بزوغه، فإن تشابكاً كهذا لا يوحي بأن علم السياسة فرعٌ موحّد، أو أن هناك مقاومة لقناعات التيار الرئيسي. ذلك أن منظّرين مختلفين جداً مثل آرنت وشتراوس، وكثيرين من المتأثرين بهما، انتقدوا الفَصْل بين الحقيقة والقيمة، والانشغال العلمي الاجتماعي بـ “السلوك”، فقد انتقد الآرنتيون (نسبة إلى آرنت) الازدراء الناجم للفعل التلقائي. وتحدّوا أيضاً اختزال السياسة في أفكار ليبرالية نفعية، وحسابات مصالح ذرائعية ووسائل\\غايات. وازدهرت الانتقادات أيضاً خارج النظرية السياسية، محفّزةً نظريات “واقعية” في العلاقات الدولية، مثلاً. ويجب أن يتذكر المرء كتاب رجل العلم إزاء سياسة القوة لهانز مورجنتاو، الذي شكّك بعمق بكلٍّ من تطلعات علم السياسة إلى العلم والتزاماته الأخلاقية بالليبرالية.7 ويسوق آيدو أورين (2002) حججاً متناغمة مع بعض حجج هذا الفصل، متحدياً تعريف علم السياسة الأميركي لنفسه كعلم موضوعي، ومحدداً مواضع الأسس الإيديولوجية لهذا الفرع.8 إن الأكثر انسجاماً مع ما يطرحه هذا الفصل هو نقاش أورين لتواطؤ بعض علماء السياسة مع صناعة الحرب الأميركية (مثلاً، مشاركتهم في “تهدئة” قرية واستجواب سجناء فيتكونغ أثناء حرب فيتنام) وكذلك علاقة هذا الفرع الطويلة والمستمرة مع وكالات الأمن القومي الأميركية (وهذه نقاط سأناقشها فيما يلي).
شمل الجدل في علم السياسة أيضاً مبادرات مختلفة للتغيير، بما فيه “التجمع من أجل علم سياسة جديد”، الذي تأسس في 1967، و”حركة البيروسترويكا”، التي تأسست في عام 2000. وكما يقول الباحث الشهير في السياسة الأميركية ديفيد ميهيو في دفاعه عن كتاب يعبّر عن آمال الحركة الثانية ومطالبها بتعددية منهجية: “بين فينة وأخرى تحدثُ انتفاضةٌ في علم السياسة الأميركي. تُطْرح الأسئلة، ويُعرَّى الأباطرة، وتُقْتَحَم المعاقل، أو على الأقل يتمُّ التسلّل إليها”.9 إن لحظات المقاومة هذه مهمة، لا لأنها توحي بصورة أقل أحادية وأقل مصادرةً وأكثر احتمالاً للتخصص مما يمكن أن يكون واضحاً بطريقة أخرى فحسب، بل أيضاً لأن الانقسامات المفترضة تستحث الباحثين البارزين على أن يشكوا من الانقسامات ويعملوا من أجل الوحدة” (حول القلق من الانقسام داخل علم السياسة، انظر بنش 1954؛ إيستون 1997؛ ألموند 1990؛ من أجل مراجعة، انظر سيغلمان 2006). وقد ولّدت محاولات متكررة لتأسيس التماسك الفكري لعلم السياسة القلق على “فرع يعاني من الانقسامات” (آلموند 1990).
ينبغي فهم الجهود الرامية لتوحيد الفرع إزاء خلفية علاقة متبدلة بين الليبرالية والعلم. يقول لي سيغلمان، المحررالسابق لمجلة الفرع المهمة، أميركان بوليتكال ساينس ريفيو إنه في الأعوام الأولى:
“كان الإصلاح الهادف إلى “حكم جيد” ومناصرة أدوات ديمقراطية مباشرة سمتين منتظمتين لمقالات المجلة… ولكن في نهاية الحرب العالمية الثانية، احتوى 10 إلى 20٪ من مقالات المجلة على عنصر توجيهي واضح، امتزج غالباً مع تقديم المكتشفات التجريبية. وأُعْلن عن العنصر أثناء، وبعد الركود والحربين العالميتين الأولى والثانية مباشرة، حين سُخِّرتْ طاقات الأمة من أجل الانتعاش الاقتصادي، والمجهود الحربي، وصناعة نظام ما بعد الحرب. (2006، 467)
يبيّن سيغلمان كيف صار علم السياسة في الخمسينيات والستينيات حامياً بصورة متزايدة لوضعه كمشروع علمي؛ فقد تزامنتْ القناعات الابستمولوجية للثورة “السلوكية” مع “الصعود الدرامي للبحث الكمي” (467). وعلى نحو ملحوظ، يعدُّ سيغلمان هذا الجَمْع بين السلوكية والبحث الكمي مسبّباً لتراجع المقالات التوجيهية في المجلة. لكن بينما من المحتمل أن مقالات المجلة صارت أقل تركيزاً على السياسة في الستينيات، وتوقفت عن المجاهرة “بالحقيقة في وجه السلطة” (467)، واصلت السلوكية في علم السياسة نزعتها التوجيهية بمعنى أنها ضمّنتْ الافتراضات الليبرالية عن الحكم الجيد والديمقراطية والفرد في تحليلاتها الإحصائية. وطورت أيضاً أسئلة مَسْح بحثية هدفتْ إلى تقويم توجهات الأفراد نحو النظام السياسي بطريقة تدعم نظاماً مُلْهَماً أميركياً في سياق شيوعية الحرب الباردة والتحديات اليسارية المحلية للنظام الأميركي. وبالرغم من أن سلوكية فترة ما بعد الحرب، والمنهجية الفردية للحاضر تتشاطران التزامات بالعلم والليبرالية، إلا أن هناك اختلافاً رئيسياً: فقد أُضْفيتْ القيمة بوضوح على الأنظمة السياسية الليبرالية في السلوكية (مثلاً، داهل وترومان)، حتى حين حدث انتقال (كما يوحي سيغلمان) من التوجيه الواضح وإصرار على تمييز بين مسائل الحقيقة (يكون) والأحكام المعيارية (ينبغي). وبعد أن نجح الانتعاش من الحرب وخفّت التهديدات السياسية، صار مدى التشكيك بالنظام الموجود (بتعبير آخر، الذي يحتاج إلى توجيه) أقل وضوحاً. وفي بعض نماذج الخيار العقلاني المعاصرة، وفي معظم المقررات المنهجية السياسية، افتُرض أن “المجتمع الجيد” الليبرالي المسوّق بين علماء السلوك (المجتمع الذي يحمي المساواة في الفرص في ظل القانون؛ والمتعدد سياسياً وغير الإيديولوجي؛ والذي يُحكم بشكل تمثيلي؛ ويُحمى بدولة “محايدة” لا تستأثر بها أية مصلحة فردية أو مجموعة مصالح) افتُرض غالباً أنه لا يملك صلة بنظام فوضوي (كما في حالة أدبيات الإثنية والسلع العامة)، بحيث أن السمة التوجيهية للمقاربة صارت أقل تبدياً، ووصلت إلى نقطة الاختفاء في اهتمام بـ “العلم” بدلاً من “مجتمع” كهذا.10 إن ما أريد أن ألفت النظر إليه في الصفحات التالية هو هذا التطور باتجاه العمل الذي يحدّد إجراءات العلم الجيد.
شكّل النمو الأسّي للخيار العقلاني في الثمانينيات جزءاً مهماً من هذه القصة، وعَكَسَ التفاتُ علم السياسة إلى الاقتصاد بحثاً عن الإلهام. وبحسب آدم برزورسكي، لم تكن العلوم الاجتماعية منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، خاضعةً لمثل “هذا الدفع المدبّر لفرض احتكار المنهج الاقتصادي على دراسة المجتمع” (1985، 379). ويمكن القول إنه صحيح أن استخدام الرياضيات لشرح حساب تفاضل وتكامل صناعة قرار فاعلين، من المفترض أنهم عقلانيون سياسياً (بمعنى أنهم قادرون على تحديد مرتبة أي بديلين، ويملكون أولويات متعدية وانعكاسية كاملة) كان مهيمناً منذ الخمسينيات في النظرية الاقتصادية، خاصة في الاقتصاد الجزئي. وقد استخدم منظّرو الخيار الاجتماعي أيضاً، وكان بعضهم علماء سياسة بارزين، مقاربات الخيار العقلاني لمعالجة اهتمامات اقتصاد سياسي بشكل واضح. لكن التقسيم الذي اعتمده برزورسكي إلى فترات أشار إلى تحول عميق في وزن ونطاق تأثير الخيار العقلاني، بما أنه شُرع في توظيف طلاب منظّري الخيار الاجتماعي في أقسام علوم سياسية أساسية وبدأوا بالتأثير في توجّه الفرع.11 وأعلنت مقالة برزورسكي عن قبوله للصلاحية المنهجية للمسلمات الفردية، ودعا زملاءه للاعتراف كيف أن جميع الظواهر الاجتماعية يمكن فهمهما كمُنْتَج لأفعال الأفراد، ويمكن أن يُعبّر عنها رياضياً. فضلاً عن ذلك، إن سلوك الأفراد، كان “عقلانياً بالمعنى الذرائعي للمصطلح” (برزورسكي 1985،401).بالتالي، إن الفهم الليبرالي للموضوع العقلاني، القائم على المصلحة الذاتية، والحامل للحقوق، يمكن أن يدعم نماذج اقتصادية معقدة على نحو متزايد. وكان برزورسكي واحداً من بين قلة من علماء السياسة السابقين الميالين إلى الماركسية الذين قبلوا كلاً من القوة العلمية لجهاز نظرية الألعاب ووجهة نظر بالفرد كحاسب مزيد للتكلفة ـ الربح. وفرضتْ نظرية الألعاب، بالنسبة له ولزملائه الذين يشاطرونه تفكيره، “تحديات غير قابلة للدحض ومفيدة للماركسية” (برزورسكي 1985، 391).
وفي مطلع 1990، سارت الأحداث التاريخية على هذا المنوال، وحصل لقاءٌ لافت بين الفرضيات المسبقة الضمنية لنظرية الخيار العقلاني، من ناحية، ومقولات تبشّر بانتصار الرأسمالية الليبرالية، من ناحية أخرى. وفي أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي وسقوط الأنظمة الشيوعية في أنحاء أوربا الشرقية، صارت الأطر المفهومية في علم السياسة مَديْنةً بشكل متزايد لمنظورات نظرية الألعاب، وهي منظورات يمكن، في إطار موضة ما بعد الحدث، أن “تتوقع” التغيرات العاصفة، وترسم “تحولات” لاحقة إلى “الديمقراطية”. ونُظر إلى الديمقراطية، كما يعرّفها كثير من منظّري نظرية الخيار العقلاني، من زاوية مؤسساتية وإجرائية. إن بلاداً تتأهّل كـ”ديمقراطية” طالما تُجْري انتخابات منتظمة تكون فيها النتائج غير مؤكدة (من أجل صيغ مؤثرة بشكل خاص من هذه الديمقراطية انظر برزورسكي 1991؛ بزرورسكي وآخرون 2000.) وكان هذا التعريف، المدين للعمل المبكر لجوزف شومبيتر (1942)، محافظاً جداً ومدفوعاً إلى حد كبير باهتمامات منهجية لتضمين دراسة حالات عابرة للتاريخ وشاملة لبلدان كثيرة. ووصف آخرون صيغاً كهذه بأنها ديمقراطية “ضعيفة”، مبيّنين كيف أن هذا القرار المنهجي يعمل كي يبرّر نظاماً سياسياً محدّداً وصورةً للمواطن كمستهلكٍ للسياسة، منفصل وسلبي (ماركس 2000؛ سكوت 2012، ودين 2007، 2008). وفي الحقيقة، إن أدبيات “التحولات إلى الديمقراطية” هي أدبيات (إذا استعرنا كلمات الأنثروبولوجي ديفد سكوت) “تنسجمُ بسلاسةٍ مع الصورة الذاتية المعاصرة للديمقراطية الليبرالية الأميركية، الفلسفة العامة المركزة على الحقوق لما يدعوه مايكل سانديل بكفاءة “الجمهورية الإجرائية” (بدون تاريخ، 19؛ انظر أيضاً سانديل 1996).
ظهر كتابٌ جديدٌ في المشهد، في عالم أبحاث ترتبط فيه فرضيات البحث العلمي في علم السياسة جيداً بمبادئ مهمة لليبرالية المعاصرة بشكل خاص ( مثلاً، الفرد النازع إلى الحرية، الذي يمتلك “أولويات سياسية”، قادة يعملون كآلات حاسبة عقلانية أو كـ“مقاولين سياسيين” في “سوق الأفكار”، والديمقراطية كانتخابات تنافسية تضمنُ فيها الإجراءات اللايقين من حيث المبدأ إن لم يكن في الحقيقة). أحدث الكتاب تأثيراً كبيراً في المحادثات داخل الفرع وحول تدريب طلاب الدراسات العليا وجَعْلهم محترفين، وهو كتاب جاري كينغ، وروبرت كيوهين، وسيدني فيربا تصميم البحث الاجتماعي: الاستنتاج العلمي في البحث النوعي (1994). بيع في 2001 أكثر من 20،000 نسخة من الكتاب، وأعيدت طباعته ست مرات واشترته أكثر من 500 مكتبة.12 وأصرّ المؤلفون على أن الخلافات في التقاليد داخل الفرع أسلوبية فحسب، وسعوا إلى إنتاج جماعة ابستمولوجية ومنهجية موحّدة، تُشكِّلُ فيها المناهج العلمية، التي يعرفها الباحثون الكميون، (كلٌّ من الممارسين الذين تميل أذهانهم إلى الإحصاءات و منظّري نظرية الألعاب) العرْف في الدراسات النوعية أيضاً. ولم تكن الوحدة التي رغبَ بها كينغ وكيوهين وفيربا بالتالي مستندةً إلى الحجة بأن العمل النوعي من المحتمل أنه غير علمي وشرعي في آن واحد. بالأحرى، إن الزعم هو أنه ليس هناك علم سياسة جدير بالاسم لا ينسجم مع القيود العلمية التي يُزعم بأنها قابلة للتعميم، والتي يحددونها. وكما بيّن المؤلفون:
إن هدفنا الرئيسي هو الربط بين تقاليد ما يُشار إليه، تقليدياً، باسم بحث “كمي” و”نوعي” بتطبيق منطق استنتاج موحّد على كليهما. يبدو التقليدان مختلفين تماماً؛ وفي الحقيقة يبدوان أحياناً كأنهما في حرب. إن وجهة نظرنا هي أن هذه الاختلافات هي اختلافات في الأسلوب والتقنية المحددة بصورة رئيسية. فالمنطق الضمني نفسه يقدم الإطار لكل مقاربة بحثية. ويميل هذا المنطق إلى أن يكون مشروحاً ورسمياً بشكل واضح في مناقشات طرق البحث الكمي. لكن منطق الاستنتاج نفسه يكمن خلف البحث النوعي الأفضل… (1994، 3)
وبحسب المؤلفين الثلاثة، إن “البحث النوعي الأفضل”، مثله مثل البحث الكمي، يعمل بـ “منطق الاستنتاج الكامن نفسه”. وسواء كان عِلِّيّاً أو وَصْفيّاً، يمكن أن يُجعْل هذا المنطق “منهجياً وعلمياً” (4، 5). وفي الحقيقة، تعتمد قيمته على مزاعمه بأنه منهج علمي. وبالرغم من أن المؤلفين يسلّمون أنه لا يمكن أن تُغطَّى جميع الأسئلة التي تمتلك أهمية متواصلة للسياسة بتعلم قواعد الاستنتاج، “فإن القواعد وثيقة الصلة بالبحث كله حيث الهدف هو تعلم الحقائق عن العالم الواقعي” (6). إن “العالم الواقعي” يظل مغيّباً في هذه الرواية، ولكن في رَسْم تمييزٍ حادٍّ بين “ما هو كائن” و”ما ينبغي أن يكون”، وبالإصرار على وضع تمييز صارم بين “الفلسفي” و”التجريبي”، يصبح العالم الواقعي ما هو مُكَوَّن بـ “قواعد الاستنتاج” (من أجل نقاش دقيق للتمييز بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، انظر بيتكين 1993). إن الأسئلة عن “التوسّط والالتزام والشرعية والمواطنة والسيادة والعلاقة الملائمة بين المجتمعات القومية والسياسة العالمية” تقع خارج حقل البحث العلمي الملائم( 7). هكذا لا تعاود مقاربة المؤلف إنتاج انقسام كلاسيكي داخل الفرع بين علم السياسة ونظرية السياسة بل تقرأ أيضاً الاهتمامات السياسية الجلية للنظرية في فرع علم السياسة، وبالفعل في عالم “حقائق” كهذه.
إن الاعتقاد بأن مقاربة كهذه ملائمة أنطولوجياً، بدلاً من مجرد شرطياً، يمكن أن يشير إلى التزامات الكتّاب الميتافيزيقية التي لم يقرّوا بها. أكيد أن اعتقاداً كهذا يبدو كأنه يحدُّ من مدى الإمكانيات المفتوحة لعمل دقيق في علم السياسة. وبالنسبة لكينغ وكيوهين وفيربا إن “السّمة المميّزة التي تجعل علم الاجتماع مختلفاً عن الرصد العارض هو أن علم الاجتماع يسعى إلى التوصل إلى استنتاجات صالحة باستخدام منهجي لإجراءات بحث مؤسسة جيداً” (8). إن “البحث الجيد”، الذي استخدم المؤلفون من أجله “كلمة “علمي” كـ “واصف”، هو عمل يتمسّك بإملاءات بحث علمي واضحة (9). ذلك أن “الاستنتاجات الصالحة” هي تلك التي يؤسّسها العمل العلمي. فالعمل العلمي يضمن الموضوعية.
بالتالي، استندت أطروحة كينغ وكيوهين وفيربا المنهجية إلى حالات فهم مألوفة في الفرع: لم يفترضوا القيمة الجوهرية للدراسات العلمية فحسب بل طرحوا أيضاً فهماً محدداً وجلياً للعلم كممارسة مستندة إلى فصل واضح بين الحقائق الإمبريقية والقيم الفلسفية. فالعلم، في وجهة نظرهم، يستلزم فرضيات قابلة للاختبار، أو للبرهنة بأنها خطأ، وإقراراً بالطبيعة غير الثابتة للمكتشفات، و(بالتالي كما يمكن القول) إيماناً بأن النتائج المقبولة تعتمد على مقاربة ابستمولوجية ومنهجية محددة. وتجاهل المؤلفون مشكلات فلسفية جوهرية أثارها موقفهم، قلقين من أن غياب الإجماع على ما هو العلم الاجتماعي يستتبع خلافاً حول ما يشكّل العمل الجيد أو المعايير المشتركة،، وحاولوا فرض نوع واحد من الدقة على الفرع على حساب أشكال أخرى من الدقة في الانخراط في السياسة. بهذا المعنى، ينسجم الكتاب جيداً مع عدد من الكتب الأخرى المنشورة في الثمانينيات والتسعينيات، والتي شَجَب كثيرٌ منها الانقسامات داخل علم السياسة وأصرَّ على الفرضيات المنهجية للعلوم الطبيعية.13 وبالرغم من أن “تصميم البحث الاجتماعي” لم يولّد حتى الآن الإجماع المرغوب، يمكننا القول إن الكتاب حقق نجاحاً أكثر من أي كتاب آخر في تحديد المصطلحات التي ساعدت في أخذ العمل البحثي على محمل الجد في الفرع. وساعد الكتاب في وضع خطوط توجيهية لقرارات توظيف وتثبيت، وكذلك من أجل ما هو قابل للقول والتنفيذ في الفرع، والمشاركة في انتقال الفرع الكلي نحو بحث كمي، رسمي، و”مناهج مختلطة”.(14 ) وعرّف الكتاب فضاء الجدل حول كيف يجب أن يبدو علم السياسة “الجيد”، وعزّز أيضاً للباحثين النوعيين الوضعيين تعريفاً مشتركاً للمعايير العلمية بدلاً من التشكيك بالفرضيات المتضمنة.(15)
يجب ألا يُفصل تأثير الكتاب عن الموقع المؤسساتي لمؤلفيه وسمعتهم في الفرع، من ناحية، والأوضاع التاريخية الملائمة التي جعلت محاولة التوحيد هذه جديرة بالملاحظة على نحو خاص، من ناحية أخرى. فقد تصوّر المؤلّفون الكتاب لأول مرة في 1989حين كانوا يشاركون في تدريس حلقة دراسية للدراسات العليا حول تصميم البحث أثناء الأعوام التي أمضوها معاً في جامعة هارفرد (كينغ، كيوهين، وفيربا، 1994). وكانت الاهتمامات المنهجية أكثر وضوحاً في عمل كينغ السابق، والذي خُصِّص كثير منه لتبيان فائدة تقنيات الاستنتاج الإحصائية لما قد يكون في أحد الأيام علم سياسة موحّداً. وكان كينغ أكثر من الآخرين في طليعة حقل تخصص فرعي (كان فيربا عالم سلوك معروفاً ومناصراً للأنظمة السياسية الليبرالية، واستخدم الطرق الإحصائية لشرح السلوك السياسي والرأي العام؛ وطبّق كيوهين سلسلة من طرق البحث العلمية الواضحة على حالات في العلاقات الدولية بينما دعم أيضاً، مثل كثير من منظّري العلاقات الدولية، فرضيات ضمنية عن فضيلة القيم الأميركية ووجود “مصلحة قومية” موضوعية). وكان كينغ منهجيّاً شاباً تزامنت مهنته مع الأهمية المتنامية لعلم المنهج كتخصص في حد ذاته. وكرئيس سابق لجمعية المناهج السياسية وعضو في هيئات تحرير مهمة بينها هيئة تحرير مجلة أميركان بوليتكال ساينس ريفيو، كان كينغ، (بين آخرين)، ناجحاً في المساعدة في تدعيم علم المنهج السياسي كاهتمام مؤسساتي مستقل.(16)
لم يُنْتَج عمل كينغ داخل بيئة متآلفة مع تعزيز التخصص الفرعي فحسب، بل مكّن أيضاً من نمو علم المنهج السياسي كحقل تخصصي فرعي له أدبياته الخاصة ومناصبه الوظيفية ورواتبه العالية نسبياً، ورأسماله الثقافي المعتبر. ولعب المتخصّصون بالمناهج السياسية أدواراً مهمة جداً في جمعية علم السياسة الأميركية، ونشروا وحكّموا وحرروا مجلات بارزة. وكان لرسائلهم غالباً وزن معتبر في تأمين وظائف وترقيات لباحثين يعتنقون الأفكار نفسها على المستوى الابستمولوجي في جميع التخصصات الفرعية لعلم السياسة. وسهّلتْ السلطة المؤسساتية لنظرية الألعاب والطرق الإحصائية عمل الكتاب التخصصي، مظهرةً كيف أن المجادلات حول الحقائق وحول قواعد إنتاج الحقائق يجب أن تُدار وتخضع للتحكيم. وجسّد كتاب تصميم البحث الاجتماعي جهوداً متواصلةً لتأمين الإجماع، ولتوليد حجّة جماعية حول ما كانه الفرع وكيف أن ممارساته الخطابية والاجتماعية يجب أن تُدار. (من أجل كتاب محفّز على نحو لافت حول كيف أمّنت التجارب الإجماع حول مسائل الحقيقة وقواعد اللعبة التي حددت تلك الحقائق، انظر شابين وشيفر، 1985).
إن تثمين الكتاب للعلم والخطوط التوجيهية التي وضعها لممارسته بشكل ملائم، يمكن ألا يرتبطوا مباشرة بالليبرالية لدى النظرة الأولى. فقد قدّم علم المنهج كتقنية لا تحمل فرضيات معيارية، ليبرالية أو غيرها. وكانت مهمة الكتاب هي تحديد “الأسئلة الصحيحة التي يجب أن تُطرح”، وأن نبين للطلاب كيف يتجنبون “التحيّز” و”متغيرات تتحدد داخلياً endogeneity”، ومساعدة الباحثين المحتملين في اختيار الموضوع case selection ، وتحديد طرق لتقييم الطبيعة غير الثابتة للاستنتاجات والإبلاغ عنها. إن مزاعم الكتاب بأن العلم يقودنا إلى وصف ملائم بشكل كامل للحياة الاجتماعية، أو أن المعرفة المنهجية هي النوع الذي يهم (بوفي 1998)، 1) عُبِّر عنها في صيغ في علم السياسة تعتمد على تمييزات وضعها كينغ وكيوهين وفيربا بين الاستنتاجات الوصفية والسببية فيما فصلوا الاثنتين عن مسائل القيمة المعيارية. بيد أنّ ما استُبْعد من الاعتبار هو الأسئلة عما هي الحقيقة، ومناقشة الطرق التي الفَرْقُ فيها بين الحقائق والقيم هو في ذاته إشكالي فلسفياً (انظر بيتكين 1993).(17)
إن النص مليء بالمقولات المعيارية طبعاً: فرضيات عما يُعَدُّ فعل بحثٍ عاماً، وفضيلة “الأحكام المجتمعية”، وطبيعة البحث كعقلاني ذرائعياً، والتقاليد التي ينبغي أن تُنظِّم الجدل، وهلمجرّا (كينغ، كيوهين، وفيربا 1994، 15). وقد لا تكون هذه المعايير ليبرالية على نحو جليّ، لكنها تكشف عن بعض حالات القلق حول الخلاف وطرق إدارة الصراع، التي هي محورية للسياسة الليبرالية. وتوحي التأكيدات بأن “محتوى “العلم” هو الطرق والقواعد، وليس الموضوع” (9) بأن القواعد تقدّم محتواها الخاص، عبر اللجوء إلى الإجرائية، وهذه في حد ذاتها نقلةٌ ليبرالية. ويَزْحف المحتوى الليبرالي، كالفرضيات المسبقة عن الفرد، والتوسّط العقلاني والحكم الجيد، في أمثلة مختارة من أجل ثناء خاص.(18) وكمثل الفرع بصورة عامة أكثر، يناقش الكتاب نظرية السلام الديمقراطية، ودراسات “رأس المال الاجتماعي” حول الحكم الجيد، وأدبيات التحولات الديمقراطية دون التشكيك بالمقدمات المنطقية التي تدعم كلاً منها. فضلاً عن ذلك، تعاود المنهجيات المثمّنة عالياً لنظرية الألعاب والتحليل الإحصائي إنتاج صلات بين الفعل العقلاني و”المجتمع الجيد” حيث الثاني معرّف كنتيجة لتنافس مستند إلى العقلانية في غياب صراع مخلّ بالاستقرار، ومحقّق بشكل أفضل عبر آليات إجرائية (مثل الانتخابات) تمكّن الناس من التعبير عن “أولوياتهم” كأفراد. وتكشف نماذج (نظرية الألعاب) وفرضياتها المتضمنة أيضاً عن نظريات مهيمنة لأنظمة استبدادية (غاندي وبرزورسكي 2006، 2007؛ بوينو دي ميسكيتا وآخرون 2003؛ غاندي 2008؛ لست 2005؛ سفوليك 2012). لكن “المجتمع الجيد” هنا هو الآخر الافتراضي المرغوب الذي لا يشكل الاستبداد مشكلةً بالنسبة له. وتُعَدّ هذه المشكلة قابلة للحل بالنسبة لعالم الاقتصاد الحاصل على جائزة نوبل روجر مايرسون لأن “الحكومة الدستورية يمكن أن تتطور [في الأنظمة الاستبدادية] من مشكلات أساسية في الثقة بين القادة السياسيين وداعميهم؛ (2008: 125). وفي مقال نشره في مجلة علم السياسة الأكثر أهمية، قال إن “الحكومة الدستورية”، بالنسبة إليه، هي نموٌّ عقلانيٌّ، وتقريباً طبيعيٌّ لأولويات بشرية فطرية، بالرغم من أنه بيّنَ أيضاً كيف يمكن أن يكون الحكم الاستبدادي في حالة توازن.
في أعقاب أداء علم السياسة السيء في توقع انهيار الاتحاد السوفييتي، وبعد أن جاءت نسخ “الانعطافة الثقافية” كي تلهم علوماً اجتماعياً أخرى، عمل تركيزٌ متزايدٌ على المنهجية لتنشيط علم السياسة. وبعد أن أصبح علم المنهج تخصصاً في حد ذاته، وبعد أن ترسخت طرق رسمية (“تحتل مرتبة ثانية فقط بعد تحديد الكمية في أميركان بوليتكال ساينس ريفيو، بحسب سيغلمان، ومهيمنة على مجلة أميركان جورنال أوف بوليتكال ساينس المحترمة؛ من أجل معطيات حول عدد التحليلات الكمية والرسمية من قبل مجلد أميركان بوليتكال ساينس ريفيو، انظر سيغلمان 2006، 469، الشكل 4)، ربما أثّر انتشار المناهج الرسمية وحجج نظرية الألعاب بشكل غير مباشر في العمل لصالح تكتّل غير مبرر نظرياً بين العلم والليبرالية. ومن خلال دمج البحث التجريبي مع التقنيات اللاتجريبية للمنطق والرياضيات المحضة، تطلبت النماذج الرسمية التجريدية من الممارسين أن يعتنقوا فرضيات (عن الفرد والمعرفة وما هي الديمقراطية) متجانسة مع كلا المشروعين. وقد تبدو مصطلحات مثل “مقايضات” و“تحليل الكلفة والفائدة” و”التوازنات” كمتغيرات محايدة، أو معايير مقبولة بإجماع بدلاً من كونها منتج سياق سياسي مميّز. وساعدت المشاركة في هذه الفرضيات في تكوين جماعة ابستمولوجية (بمعنى أنها تدير كيف نعرف ما نعرفه)، ومنهجية (بمعنى أن الأعضاء يتمسكون بالمجموعة نفسها من العمليات في إنتاج وتقويم النتائج)، وأنطولوجية (يتحدد أعضاء الجماعة ذاتياً كمشاركين في جماعة جدل تجعل أوضاعها طرح الأسئلة على الفرضيات الأساسية يبدو غير ذي صلة، إن لم يكن سخيفاً أو محرجاً). وبدا الاتفاق على الإجراءات من أجل البحث كأنه يستتبع التمييز بين الاستنتاجات الوصفية والسببية ويمنح الثانية مقاماً أكبر؛ معاملاً الفرد كوحدة التحليل والتحديد؛ ويفترض مسبقاً عالماً يكفي فيه تصوير الوسطاء كحقائق وصفية أو معطيات خام بدلاً من معلومات تولّدت عبْر تجربة باحث معين.
وختاماً لهذا القسم أقول إن الفرضيات الابستمولوجية، والالتزامات السياسية الليبرالية، تتشكل في ومن خلال أعمال علم السياسة.(19) ويواصل الإنتاج البحثي المهيمن في علم السياسة اعتناق وجهات نظر معينة حول العلم كصيغة نهائية من المعرفة، وحول الليبرالية على أنها النوع المرغوب من السياسة.(20) أما إصرار الوضعي على فصل الحقيقة عن القيمة فيُعْتمُ كيف يكون العلم في ذاته قيمة سامية. إن تحديد أية نتائج يريد علماء السياسة شرحها (مثلاً، الانتخابات التنافسية، والإجراءات الموجودة لضمانها، والسلم بين الديمقراطيات، وتجنب الصراع) يمكن أن يُرى في النصوص المعاصرة على أنه وثيق الصلة سياسياً وفارغ من القيمة في الوقت نفسه. وبعد أن أصبح علم السياسة أكثر علمية، بدا كأن القيم الليبرالية تنسحب إلى الخلفية، أو تُخَبَّأ جزئياً عبْر تأكيد على المناهج أكثر من المحتوى. مع ذلك، يبقى علمُ السياسة منخرطاً في إعادة إنتاج العالم السياسي الأخلاقي الليبرالي الذي يعيشُ فيه المزاولون، جزئياً عبر وضع معايير الإجرائية، التي يتم من خلالها انتقاء المشاريع السياسية من أجل البحث، ويتم تخيل وجودها، ويُحافَظ عليها. وعَملَ انخراط الباحثين اليومي في العلاقات المؤسساتية أيضاً (متع الموقع والاكتشاف والموافقة والإدخال والتفوق وأمن الوظيفة والاحترام) كي يعرقل رؤى سياسية بديلة، فيما حدّد ما هو صالح وجيد وجدير بالثناء.
بتعبير آخر، تتجلّى الصلة بين العلم والليبرالية في علم السياسة بشكل أكبر في ما حافظ عليه الجزء “العلمي” من الفرع كمجموعة من السمات العامة عبر تحولات بدأت قبل الحرب العالمية الثانية مروراً بالسلوكية ووصولاً إلى عمل كينغ وكيوهين وفيربا. ويشمل هذا، بشكل أكثر جوهرية:
1- اختزالية موضوعية: العالم موجود “هناك في الخارج” كمجموعة من الحقائق التي يجب أن تُفْهَم وتُحَلّل بشكل مستقل عن قيم الباحث الذي يدرسه، أما تلك الظواهر المعقدة (مثل “الثقافات السياسية” أو الدمقرطة) فيجب أن تُشْرح من زواية العناصر التي تتشاطرها جميع ظواهر فئة معطاة بشكل مشترك.
2- يستتبع التفوق الابستمولوجي للمنهج أن إجراءات البحث العلمي الاجتماعي يجب أن تكون عامة وخاضعة من حيث المبدأ للتكرار، أي التحقق من صحتها من قبل ممارسين آخرين، وهذه نقطة لخّصها جيداً كينغ وكيوهين وفيربا حين أصرّوا على “أن المحتوى هو المنهج” (1994، 9).
تَحَقَّق هذا الثبات من خلال ضبْط معتبر داخل الفرع، كان هو نفسه شيئاً ثابتاً أثناء تغيرات جوهرية في المقاربة المفهومية والمنهجية. وكما رأينا، تطورتْ ممارسة علم السياسة في عدد من المحاور منذ بداياتها في أوائل القرن السابق، وانتقلت من كونها توجيهية بشكل واضح إلى كونها أقل توجيهاً، ومن كونها علمية بشكل شرطي إلى كونها أكثر تأكيدية؛ أو إذا لخصنا الأمر من زاوية أكثر وضوحاً: منذ الحرب العالمية الثانية، منذ السلوكية إلى الخيار العقلاني، إلى كينغ وكيوهين وفيربا، وطول هذا الوقت، حين كان الباحثون يعترفون بغياب شرح مقنع لظاهرة معترف بها، كانت ممارسة التيار الرئيسي افتراض أن الجواب يجب أن يُنْشَد داخل مصطلحات ابستمية مفضلة في ذلك الوقت (انظر جولد ولووانتن 2004 حول الضغوط للتكيف مع الأرثوذكسية في البيولوجيا النشوئية). أما الافتراض بأنه سيُعثَر على التفسيرات المطلوبة عبر المتابعة بمقاربة مفترضة فيتضمن غالباً إلغاء البدائل، بما أنه تُمارس السلطة المؤسساتية لتنحية أو رفض تفسيرات دقيقة أخرى لها أسس ابستمولوجية وسياسية منافسة. إن أحد الأمثلة الواضحة هو تهميش التحليل النفسي كطريقة لمناقشة المواقف والسلوك. وثمة طريقة أخرى هي عزل النظرية السياسية بشكل عام أكثر عن مظاهر أخرى من المعرفة التخصصية.
يستتبع تهميش النظرية السياسية تجاهل مسائل مراجعة الذات والأدوات Reflexivity: ما يعنيه فصل الحقيقة عن القيمة، وكيف يعمل الفرع كي يبني العالم كـ “آخر” موضوعي لالتزامات ومصالح سياسية جادة. يعني أيضاً أن نستبعد أسئلة مثل: لماذا قام هذا العلم الموضوعي كما هو مفترض، منذ بدايته، وبشكل متواصل حتى اليوم، باكتشاف بعد آخر في دعم التفوق السياسي الأميركي\\الغربي الليبرالي في العالم؟ إن النزوع إلى اختزال المسائل الابستمولوجية في المنهجية (أى تأكيد أهمية “قواعد الاستنتاج” دون ربطها بما يُعدّ كحقيقة، أو بالأوضاع التخصصية التي تجعل بعض الاستنتاجات تبدو أكثر قابلية للتصديق من أخرى) هو شكل من أشكال الإجرائية في حد ذاته. وفي كلٍّ من هذا التنوع الابستمولوجي وإجرائية السياسة الليبرالية، عُدَّتْ النتائج الصالحة مستقلة بشكل صارم عن القصد، وهكذا فإن الممارسين مرتاحون من حيث المبدأ من المسؤولية الأخلاقية\\السياسية عن النتائج أو المكتشفات. إن مزاعم اللاتحيّز المستمدة من اعتماد التخصص “العلمي” على الإجراء، برفضه الملازم لمراجعة الذات والأدوات، جوهرية لتوليد، والحفاظ على ما يمكن أن يُدعى ليبرالية كونية، مخيالاً أخلاقياً عابراً للقومية يميل، من خلال مجموعة الإجراءات المتفق عليها، المتحررة من القوة ظاهرياً، إلى إنتاج مكتشفات تنسجم مع المكتشفات الليبرالية الغربية.
ويمكن القول إن “تأثير إرضاء الذات هذا”، بسبب غياب مصطلح أفضل، كان بارزاً خاصة في دراسات الشرق الأوسط، حيث حدود الإمبراطورية خاضعة لنزاع عسكري وحشي مستمر. وأريد أن أبيّن كيف تنسجم دراسة سياسة الشرق الأوسط في هذه الرواية عن التزامات الفرع من خلال ازدواجية علم السياسة المتواصلة إزاء دراسات المنطقة؛ وتأكيده بأن حقل السياسة الأميركية غير مرتبط بمنطقة، وقابل للتعميم، وقادر على تقديم المعايير الفكرية والتقنيات المنهجية لبقية الفرع؛ واستخدام حجج الثقافة السياسية لتأكيد فروق مثيرة للحسد بين الغرب و”البقية”؛ والاستخدام الذي استمر عقوداً لـ “الديمقراطية” الليبرالية الإجرائية كمجال للبحث ومؤشر للتقدم في آن.
دراسات الشرق الأوسط في علم السياسة المعاصر:
الليبرالية والإمبراطورية والعلم
يتواشج بزوغ برامج دراسات المناطق في الولايات المتحدة الأميركية، بما فيه تلك التي تركّز على الشرق الأوسط، مع تعزيز العلوم الاجتماعية الأميركية في الثلاثينيات والخمسينيات (ميتشيل 2003؛ لوكمان 2004). فقد صارت هذه البرامج في الخمسينيات سمة رئيسية من مبادرات الأمن القومي الأميركي، وعلامة على مخاوف الحرب الباردة. وحثَّ الكونغرس، جزئياً كردٍّ على إطلاق الاتحاد السوفييتي في 1957 للقمر الصناعي سبوتنيك، على إصدار “قانون الدفاع التربوي القومي” سنة 1958، وهو صفقة التمويل الحكومية الضخمة الأولى للتعليم العالي (لوكمان 2004، 125). ومن أجل هدف صقل المعرفة في مجالات عُدّتْ جوهرية لأمن الولايات المتحدة القومي، ضمنتْ المادة 4 من القانون التمويل لمراكز دراسات مناطق جامعية، ولطلاب الدراسات العليا. ومن بين اللغات الأجنبية التي عُدّتْ ضرورية لحماية الأمن القومي كانت تلك التي يتم التحدث بها في الشرق الأوسط: العربية والتركية والفارسية. وقد كُتب الكثير عن المادة الرابعة وتمويل التأسيس، خاصة من فورد وروكفلر ومجلس أبحاث علم الاجتماع وكارنيغي (انظر خاصة لوكمان 2004). لا أهدف هنا إلى تكرار هذه الحجج، بل أن أشير فحسب إلى أن هذا الضخ للأموال أسهم في أواخر الستينيات في زيادة عدد شهادات الدكتوراه التي مُنحت لطلاب دراسات الشرق الأوسط (لوكمان 2004، 127) ويمكن القول إنه حثَّ المزيد من علماء السياسة على الاهتمام بالمنطقة (ميتشيل 2003). وفي السبعينيات، على أي حال، صارت معرفة المناطق عرضة لانتقادات متزايدة. وتزامن السخط المتنامي مع تحولات مختلفة في برامج دراسات المناطق نفسها، وفي أفكار المشروع العلمي، وفي علاقة علم السياسة بكل من هاتين المسألتين.
وبحسب تيموثي ميتشيل، نُظِرَ في البداية إلى دراسات المناطق كـ “متمّم للعلم الاجتماعي، يساعد في جعله كاملاً” (2003،23). ذلك أنّ العلم الاجتماعي يهدف إلى التعبير عن “حقائق كونية”، وستشكل دراسات المناطق جزءاً من هذا المشروع، وتكشف عبْر دراسة المناطق غير الغربية عن أية “عصبية محليّة” Provincialism (هيرنغ 1947، مقتبس لدى ميتشيل 2003، 23). إن إضفاء الطابع المهني على دراسات المناطق، الذي تحقق في منتصف الستينيات، ترافق مع إحساس متنام بمشكلات المشروع، وجعله معرّضاً لتحديات من كافة الجوانب (ميتشيل 2003؛ انظر أيضاً لوكمان 2004). وساعدتْ رَدْكَلة السياسة داخل وخارج الجامعة، وانتشار باحثي وأفكار “العالم الثالث، ودينامية المنفى، والرؤى المعبّر عنها لمستقبل سياسي أخلاقي مستقل عن القوى الاستعمارية السابقة، في تسليط الضوء على تواطؤ دراسات المناطق مع الأشكال الاستعمارية وما بعد الاستعمارية للهيمنة. وأثارتْ العلوم الاجتماعية الوضعية نفسها، التي تعرضت للأزمات السياسية للستينيات والأزمات الاقتصادية للسبعينيات، شكوكاً متزايدة أيضاً حول قدرة دراسات المناطق على الإسهام في المعرفة الكونية. وأشار الخطاب الرئاسي في المؤتمر السنوي لجمعية دراسات الشرق الأوسط في ف 1974، الذي ألقاه عالم السياسة والباحث في شؤون الشرق الأوسط ليونارد بيندر، إلى انتقال دراسات المناطق إلى الموقف الدفاعي. وكما يشير ميتشيل، لم يعد بيندر يستطيع تمثيل الفرع كجزء من “خطة نظرية كبيرة من العلم الكلي”. بدلاً من ذلك، برر معرفة المناطق عبر الاهتمام بالمناطق كـ “حقيقة موضوعية”، أحد “الأمور التي توجد” وبالتالي، كموضوع “للمعرفة الحقيقية” (21). وكما قال بيندر:
أعتقد أن دراسات المناطق تستند إلى فكرة رئيسية واحدة وهي أن موضوع الدراسة، الشيء الذي نرغب بمعرفته، هو المبدأ المحدِّد والمُنظِّم للمشروع الفكري وليس الطريقة أو الفرع. إن منهجية البحث والنماذح التخصصية يجب ألا تحدد ما يتم اختياره للدراسة، أو أن تحدّ من الرصد. من هذا المنظور، تعتقد دراسات المناطق أن المعرفة الصحيحة ممكنة فحسب عن الأشياء التي توجد، بينما الطرق والنظريات هي مجرّدات تنظّم الملاحظات والتفسيرات الأخرى بحسب معايير غير تجريبية. إن المسألة… هي إن كانت أحداث الشرق الأوسط تشكّل وحدة صالحة بحيث أن نتيجة هذه الدراسة يمكن أن تُدعى معرفة على نحو عقلاني (مقتبس لدى ميتشيل 2003، 15)
أكّد خطاب بيندر التزامات علم السياسة بالموضوعية، وصوّر المناطق كمادة خام لاختبار وتأكيد الفرضيات العلمية أو لاكتشاف فروق مهمة. وفي وجهة النظر هذه، إن المناطق تُملأ بالحقائق، ويمكن أن تُعامَل كما لو أنها أشياء يجب أن تُفْهَم بتعريف قائم على إيراد الأمثلة بدلاً من مفهومات ومخيالات يشكّلها، على الأقل جزئياً، المحلل.
بالرغم من أن دفاع بيندر استجاب بصورة رئيسية لاهتمامات العلوم الاجتماعية الوضعية، كان كتاب ادوارد سعيد الاستشراق (1978) هو الذي قدّم نقداً مؤثراً بشكل خاص لمشروع دراسات المناطق، متحدياً كلاً من إحياء بيندر للموضوعية وفكرة العلم الكوني بشكل عام أكثر. واستخدم سعيد بوضوح خطاب بيندر الرئاسي كي يشير إلى أن “الأشياء التي توجد” هي إلى حد ما “مكوّنة من قِبَل العارف” (مقتبس لدى ميتشل 2003، 15). وقال سعيد أيضاً إن العلاقة بين الحداثة والإمبريالية علاقة تشكيل مشترك وتورط متبادل. بالتالي وضع تحليلاً للإمبراطورية في قلب دراسة الحديث، ودعا الباحثين إلى نقل انتباههم من الشرق إلى الطرق التي دُرِّس بها. وكما تقول ناديا أبو الحاج إن كتاب الاستشراق أشار إلى نموذج تفكير “جعل حتى رؤى إمبريالية للشرق العربي الإسلامي قابلة للتخيل وطبيعية”، وهذه وجهة نظر افترضت المناطق “كمكان يتطلب التدخل، كمكان مختلف عن الغرب بشكل راديكالي وغير قابل للقياس”، يجب أن تعيد الحضارة (الأوربية [والآن الأميركية]) صنعه على صورتها(2005، 538)
كان تدخل سعيد نتاج التفات متزايد إلى مراجعة ابستمولوجية للذات والأدوات وتوليد لمزيد من التطورات في آن واحد معاً. وساعدت التزاماته الخاصة بالشرق الأوسط في تغيير كيف نُظر إلى المنطقة بشكل خاص كموضوع للدراسة وكمنطقة معرضة لتدخل قوة عظمى. وكان إسهام سعيد متضمناً في مشروع فكري أوسع، فوكوي كما هو معروف، وقد راق لطلاب في الفرع، وحثهم على أن يكونوا أكثر انتباهاً للطرق التي مُوضِعَتْ بها تاريخياً مفاهيم وأساليب التفكير، وكذلك التزامات الباحثين، متداخلةً مع علاقات القوة ومنتجةً لها.21 وسمحت الانعطافة الفوكويّة بشكل عام أكثر للباحثين، وخاصة الأنثروبولوجيين والمؤرخين ومنظري الدراسات الثقافية وما بعد الاستعمارية، بأن يحللوا الديناميات الخطابية والمؤسساتية للإنتاج البحثي. وبدلاً من البحث عن الحقائق، فحص المحللون الفوكويون كيف تزعم الحقيقة العمل.
مال علماء السياسة إلى هجر دراسات المناطق في ذلك الوقت، ناقدين بحثاً كهذا (ومراجعة الذات والأدوات التي صار يطلبها بعض الممارسين الذين ألهمهم فوكو وسعيد) لأنه فشل في إنتاج معرفة عامة للعلوم الاجتماعية قابلة للتعميم. إن التركيز والتشديد داخل الفرع على ما هو خاص يمكن حتى أن يُنظر إليهما كمهددين للعلم. بالتالي، بينما كان يمكن النظر إلى دراسة “الثقافات الغريبة” في البداية كحامية ضد “العصبية المحلية” داخل الفرع، كما أكد بندلتون هيرنغ من شركة كارنيغي في 1947، لم يكن من غير المألوف في الثمانينيات في قاعات أقسام علم السياسة سماع الباحثين يسجلون النقيض، شاجبين في الوقت نفسه الخصوصيات محدودة التفكير لمعرفة دراسات المناطق، والانتقادات الفوكوية لها.
وعلى نحو كاشف، إن حساسية الفرع من مراجعة الذات والأدوات وتشابكاته مع نسخ الليبرالية والعلم سمح للتخصص الفرعي للسياسة الأميركية بأن يتجنب أن يُفْهَم كـ “دراسات مناطق”؛ بالتالي لم تتأثر السياسة الأميركية بالنقص المتزايد لأبحاث دراسات المناطق. وتقدم لنا مجلة أميركان بوليتكال ساينس ريفيو صورة عن كيف تواصل السياسة الأميركية الهيمنة على دراسة علم السياسة. فقد كانت الولايات المتحدة موضوع 59٪ من المقالات أثناء العقد الأول من تأسيس المجلة و65٪ أثناء الثاني. وبعيداً عن توسيع تنوعها الجغرافي مع مرور الوقت، ضيقت مقالات ريفيو في الحقيقة تركيزها بحيث صارت الولايات المتحدة تشمل 72٪ من كل المقالات في نهاية القرن. وكما يشير سيغلمان: “حتى بريطانيا التي احتلت المرتبة الثانية في القرن كله، تم التحدث عنها فقط في 96 مقالة، بحيث لا تقترب أبداً من المقالات التي تناولت الولايات المتحدة والبالغة 1،108 (2006، 470). ولم تشمل التغطية الدول ـ الأمم في الشرق الأوسط فحسب بل أيضاً الصين والهند وروسيا، و”الديمقراطيات البازغة” في أوربا الشرقية والمكسيك، باختصار، جميع البلدان التي هي خارج الولايات المتحدة.
رافق هيمنة الولايات المتحدة (وهذا ثابت في علم السياسة) انتباهٌ متزايدٌ بدأ في منتصف الخمسينيات إلى البحث الكمي، وعُدَّ المنهج الرئيسي المطلوب لمعالجة مشكلات سياسية لها أهمية كونية. وكانت السياسة الأميركية على حافة احتفاء الفرع بالمعرفة الإحصائية، وعزّر تبني الإحصاءات أهمية التخصص الفرعي. وأثناء حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، صار البحث الكمي هو المعيار، وقد فضّل في البداية تحليلات إحصائية بسيطة (مثل وسائل النسب المئوية، اختبارات كاي تربيع، ومُعامِل الارتباط المستقيم (مُعامل ارتباط بيرسن) ثم منح المجال لتحليلات معقدة متعددة المتغيرات. وكان تسهيلُ نموّ تحديد الكميات تطوّرَ البحث المَسْحي (سيغلمان 2006؛ كونفيرس 1987)، وأداة أساسية للبحث السلوكي لقياس مواقف الأفراد وسلوكياتهم. وكما رأينا، بعد التفوق المتزايد للخيار العقلاني ونظرية الألعاب في منتصف الثمانينيات، بدأ علماء السياسة انخراطهم في نمذجة رسمية formal modeling، صارت شكلاً منتظماً من التحليل في مجلات التيار الرئيسي. وفي المجلد 89 من مجلة أميركان بوليتكال ساينس ريفيو (1995)، أظهر 42٪ من المقالات نماذج رسمية (سيغلمان 2006، 470). ولم يكن استخدام هذه الأدوات مقتصراً على السياسة الأميركية بل انتشر أيضاً إلى الاختصاصين الفرعيين للعلاقات الدولية والسياسة المقارنة. وبالرغم من أن علماء السياسة المتخصصين في دراسة الولايات المتحدة حصلوا دوماً على حصة الأسد من النفوذ في الفرع والتمويل من أجل المناصب التدريسية، يمكن القول إن وضع فروع أخرى تحسن حين تبنت هذه المناهج.(22) وبالرغم من هذا التغيير، تواصل السياسة الأميركية نشر الكثير من النماذج العلمية والألغاز الواضعة للأجندة لبقية الفرع. وبما أن الولايات المتحدة احتلت دوماً مكانة خارج مجادلات دراسات المناطق، فهي محورية للفرع بحيث أنها قادرة على أن تكون بديلاً وتنتج المعرفة عن السمة العامة للحياة السياسية.(23) أو لدى العودة إلى الاهتمامات التي حفّزتْ الجزء الأول من هذا الفصل نجد أن حقل السياسة الأميركية يجسّد الاقتران بين الليبرالية والعلم، ويضمّن في مناهجه المفضلة التطلعات الكونية والمعايير الإجرائية التي تسم كليهما.
كان موقع السياسة الأميركية كلامنطقة دائماً في توتر مع معالجة مناطق أخرى في الاختصاصين الفرعيين للعلاقات الدولية والسياسة المقارنة. وإلى حد ما، كان من الممكن إنهاء توترات كهذه من خلال النظر إلى بقية العالم من منظور الصديق أو العدو، على الأقل أثناء الحرب الباردة. وبعد أن خفّتْ مخاوف الحرب الباردة، وتعرضت برامج دراسات المناطق لهجوم متزايد في السبعينيات والثمانينيات، بقيت الدول ـ الأمم التي رُمِزَ إليها كـ “مناطق” مهمة شرْط إمكانية وضع التفاصيل التي تنتجها في خدمة المعرفة الكونية عن السياسة. وكما عبّرَ أحدُ علماء السياسة، الذي بدأ عمله كإثنوغرافي في أفريقيا، قدّمتْ دراسات المناطق طريقة “لتعذيب الباحثين بمعطيات غير مريحة”، ويمكن استخدام المعرفة المحلية المستمدة من العمل في الحقل “لاكتشاف انحرافات مثيرة” (لايتين 1993، 3)، وقد أُشير إلى وجهة النظر هذه في خطاب بيندر الرئاسي في جمعية دراسات الشرق الأوسط منذ عشرين سنة.
في سياق برامج دراسات المنطقة المحاطة بالخصوم، والهيمنة المستمرة للولايات المتحدة كلامنطقة، استاءت دراسة سياسة الشرق الأوسط بشكل خاص من التأكيدات العلمية للموضوعية والحياد القيمي، على الأقل حتى مؤخراً. أو بتعبير آخر، أصبح الشرق الأوسط، طول عدة عقود، سياسياً جداً بالنسبة لعلم السياسة. وفي أواخر الستينيات، “قامت ثمانية أو أكثر من دزينة من أقسام العلوم السياسية الرئيسية بتثبيت أخصائي في الشرق الأوسط”، بالمقارنة مع “فرع ضعيف نسبياً كدراسات أميركا اللاتينية” (ميتشيل 2003، 14). ولكن بحلول 2005، شكتْ مقالة نُشرتْ في ذ واشنطن بوست من ندرة الأساتذة المثبتين الأخصائيين في الشرق الأوسط (بركوويتز ومكفول 2005)، وهذه شكوى لم تعد موجودة الآن. فقد كان التدهور حقيقياً بما يكفي في ذلك الوقت، على أي حال، ولا شك أنه كان يتعلق بتهميش دراسات المناطق في علم السياسة بشكل عام أكثر. لكن حالة الشرق الأوسط كانت متطرفة ولا يمكن فهمها دون التفكير بالمشكلة التي شكلتها إسرائيل بشكل خاص لعلم السياسة كجماعة تعلن عن نفسها بأنها علمية. ذلك أن الجهود التي بُذلت لتوحيد الفرع يمكن أن تفشل بسهولة بسبب مسألة تقسيمية سياسياً كالصراع العربي ـ الإسرائيلي، وخاصة في أعقاب حرب 1967 حين صار حضور الولايات المتحدة في ذلك الجزء من العالم أكثر وضوحاً على نحو متزايد وأحادي الجانب. وربما كان هناك أيضاً إحساس بأن استثمار علماء السياسة العاطفي في الصراع هدّد في تقويض مبدأ الموضوعية لديهم. وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 بدأت أقسام علم السياسة بتعويض الوقت الضائع وتمت مساعدتها في بحثها عن خبراء من قِبَل جيل جديد من الباحثين الذين يمكن لالتزاماتهم بالقواعد المنهجية الملخصة في عمل كينغ وكيوهين وفيربا أن تدرأ مخاوف التحيز السياسي وخصوصيات دراسة الحالة. وقد تواصل هذا الموقف في أعقاب الانتفاضات العربية.
واصل علماء السياسة، الذين لم يمتلكوا تدريباً لغوياً أو تجربة مهنية في المنطقة مناقشة المنطقة حتى أثناء العقود التي شغل فيها بضعة باحثين رئيسين يعرفونها مناصب في جامعات رئيسية. خذوا المثال السيء، كما يعترف الجميع، ولكن الموضح: مقالة صامويل هنتنغتون، التي نشرها في 1993 في مجلة فورين أفّيرز “صدام الحضارات؟” وكتابه اللاحق صدام الحضارات وإعادة صناعة النظام العالمي (1996). كان هنتنغتون أخصائياً في السياسة المقارنة لا يمتلك تدريباً في دراسات الشرق الأوسط. لكن حججه استطاعت أن تعمل داخل تراث قابل للتمييز من الثقافوية السياسية في الفرع، وربما جسّد المثال الأكثر أهمية وإثارة للجدل لهذه الأدبيات في العقود الأخيرة.(24) وبالرغم من أن فرضية هنتنغتون امتلكت وزناً خارج الفرع أكبر مما كان لها في داخله، فقد امتلكت حجج الثقافة السياسية حياة متواصلة في علم السياسة. وانبعثت بشكل متكرر في دراسة الشرق الأوسط بشكل خاص، أحياناً كوسيلة للتحقق من صحة ما عُدَّ تفسيراً “بديلاً” لتلك التي تركز على المؤسسات والسيرورات المؤسساتية.(25)
أسهمت الروايات الثقافية السياسية، حين كانت في ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، في تنوع من مبادرات السياسة، وصُمِّم بعضها لإعادة إنتاج شروط الدَمَقْرطة الغربية في الخارج (سومرز 1995، 114). وحاولتْ هذه التفسيرات المستمدة من تحليل ماكس فيبر الكلاسيكي “للتقارب الاختياري” بين الأخلاق البروتستانتية وصعود الرأسمالية في الغرب ([1905] 1958)، أن تُبيِّن كيف عرقلتْ المواقف الثقافية والمعتقدات “التقدم” أو مكّنَتْهُ (بانفيلد 1958؛ مكليلاند 1961، 1963؛ باي وفيربا 1965). 26 منظوراً إليها من زاوية مجموعة مزعومة من القيم والمعايير المترسبة (ما وصفته شيري أورتنر بكفاءة ب “جوهر مترسب عميقاً يرتبط ب، أو ملازم لمجموعات معينة” (1997، 8-9)) كانت هذه الفكرة عن الثقافة بارزة في علم اجتماع تالكوت بارسونز، وفي نظرية التحديث، وفي الأنثروبولوجيا الثقافية الأميركية لفرانز بوا ومارغريت ميد وروث بينيديكت، وأيضاً في الثورة السلوكية للخمسينيات والستينيات. وفي علم السياسة، كانت مقالة غابرييل ألموند (1956) المؤثرة جداً، وتعاونه اللاحق مع سيدني فيربا (1963)، هما اللذان أنتجا الفهم الأكثر تأثيراً للثقافة السياسية من زاوية “توجهات نحو النظام السياسي”، والتي بمقتضاها تمتلك بعض الشعوب “ثقافات” مدنية وأخرى لا تمتلك.(27)
كانت مزاعم الثقافة السياسية، بميولها إلى الماهوية الثقافية، خاضعة للنقد من قبل علماء سياسة من مختلف المشارب.28 ذلك أن بعض النقاد، الذين رفضوا وجهات النظر هذه لأنها إما زائدة عن الحاجة أو غير صحيحة تجريبياً، اختاروا مقاربةً “مادية” صارمة أو أخرى، معترضين على التفكير بالاختلافات الثقافية في أية صيغة (انظر، مثلاً، تيلي 1975، 603-21؛ هيرشمان 1984؛ جاكمان وميلر 1996).29 وقاد صعود نظرية الخيار العقلاني في منتصف الثمانينيات الممارسين أيضاً إلى القول بأن تحليل قيم المجموعة أو عاداتها، كتلك المرتبطة بمصطلح ثقافة، لا علاقة له بالبحث السياسي (برزورسكي 1985). فالسياسة تهتم بالمصالح المادية والنجاح أو الفشل النسبي للأفراد الذين يعبّرون عنها. ورُفضتْ العروض الرمزية والممارسات الخطابية على أنها ظواهر ثانوية.
على أي حال، مُواجَهين بشرح الاضطرابات ما بعد الشيوعية، والعنف الإثني، وسياسة “الهوية”، و”الأصولية” الدينية، والمشكلات المتواصلة للتحولات الديمقراطية من أوائل التسعينيات فصاعداً، حتى علماء السياسة الرافضون لمقاربة هنتنغتون صاروا يستخدمون الثقافة كموقف “بديل” (خطة بديلة)، طريقة لتفسير النتائج السياسية المتشعبة وعادةً المخيّبة للآمال (كوبر 1999، 10). وبالزعم بأن “الثقافات” تمتلك “خصوصيات” تشرح فشل بعض الدول ـ الأمم في الدَمَقْرطة، أو بتأكيد أن الصراع السياسي هو نتيجة “اختلافات ثقافية غير قابلة للاختزال” (روغوسكي 1997؛ 14، بيتس، دي فيغيريدو، جي آر، وواينغاست 1998؛ غريف 1994)، ردّ بعض أصحاب أكثر العقول علمية على ما فهموه كاحتياجات تفسيرية من خلال اللجوء إلى النسخة البارسونية للثقافة كسمات جماعة. وكان هذا الميل نحو الماهوية الثقافية ربما الأكثر تبدياً في نقاشات ما بعد الحادي عشر من أيلول حول الشرق الأوسط، في الكتابات حول إخفاقات الديمقراطية، وتهديد الإسلام المتشدد، والقلق الساحق من الإرهاب. لكن تم إحياؤه في سياق النتائج الموجعة للقلب للانتفاضات العربية ودخول بلدان مثل سوريا في حرب أهلية وحشية.
ربما غيرت اهتمامات الفرع المتزايدة بالدقة المنهجية لغةَ وفحوى كتابات علم السياسة الحالي، وسمحتْ للالتزامات السياسية بأن تبدو أقل وضوحاً مما كانت عليه في السنوات الأولى من الفرع، أو في أيام “المجتمع الجيد” للسلوكية. لكن تشديداً متواصلاً على النظام السياسي يقدم المادة لإعادة إنتاج معايير تمزج اليقينيات العلمية مع تأييدات معيارية للديمقراطية اللييرالية. ويُستخدم الفرق الثقافي أحياناً لشرح تحديات لليبرالية، والمصالح الأميركية، أو الاستقرار المهم للاثنين. وفي أوقات أخرى يُعَبَّر عن دعم الديمقراطية الليبرالية بالطرق التي يُضمِّن بها الباحثون الفرضيات حول الذاتية البشرية والباعث و“المصالح” والمؤسسات المرغوبة في نماذجهم.
ويمكن القول إن دراسات الديمقراطية تعبّر بطريقة درامية عن هذا الالتزام بالليبرالية والعلم بشكل أفضل، وتربط الاثنين بممارسة الولايات المتحدة للإمبراطورية. وتقدم دراسات الديمقراطية مؤشرات تقدّمٍ بينما في الوقت نفسه تُثير البحث العلمي في أسباب النجاح والفشل. وكما يقول ديفد سكوت في معايير تقرير المصير: التفكير بالسيادة:
صارت الديمقراطية نموذجاً معيارياً جديداً يتولى العمل الإيديولوجي المفهومي الذي كانت تؤديه حتى اليوم الحضارة ، وهو التحكم بإدارة النظام العالمي، وضبط أعضائه المتمردين أو غير المتعاونين، إذا اقتضى الأمر، بأدوات تكنولوجية مختلفة (عسكرية إلى حد كبير واقتصادية). أو ربما، بتعبير مختلف قليلاً، إن الديمقراطية هي الاسم السياسي المعاصر لمشروع محضِّر قديم: إنها الآن مبدأ تنظيمي في العقلانية السياسية للنظام العالمي والذي به تُحكم الآفاق السياسية (خاصة، إذا لم يكن فقط) للعالم الثالث. (31)
اتّخذ هذا المشروع المحضِّر أشكالاً مختلفة في فرع العلوم السياسية تاريخياً، وقد جُسّد من قبل في نسخ نظرية التحديث32، وفي نظريات “التخلف”، وفي العقود الثلاثة الأخيرة، كما يشير سكوت، بشكل أكثر بروزاً في مجادلات عن “الدمقرطة”.(33) وعلى نحو لافت، إن دوافع محضّرة كهذه تُخبأ غالباً من خلال التسليم جدلاً بفرضيات عن الحياة الجيدة. وكما يشير الفيلسوف الفرنسي آلن باديو بشكل محرّض، “من الممنوع ألا تكون ديمقراطياً” في هذه الأيام.(2005، 78). وتساعد مماثلة سكوت لمشاريع الدَمَقْرَطة مع مهمات التحضير في التفكير بكيف أن الخطابات حول رعايا “آخرين” استعماريين أو مُحْتَلين تعمل لدعم مؤسسات الحكم الإداري، أو لجعل الفعل السياسي ممكناً وتبريره. وفي التفكير بطبيعة السلطة في العالم ما بعد الاستعماري، والتركيز على ما يبدو أنه جهود أميركية متواصلة للهيمنة في الشرق الأوسط، إن الاختلافات بين المشاريع الإمبراطورية المعاصرة وسوابقها هي أيضاً موضحة، مما يلمّح إلى تورط علم السياسة المعقد.
كان هناك، كما هو مرجّح، أنطولوجيا مختلفة إذاً للشخص مثلاً في المشاريع الاستعمارية البريطانية في القرن التاسع عشر إذا قارناها بمشروع إدارة بوش المعلن عن الدَمَقْرَطة، الذي ضمَّ بعض علماء سياسة شاركوا بنشاط في “بناء الديمقراطية”، (مثلاً لاري دياموند الذي، كناصح لسلطة الائتلاف المؤقتة، وصف مهمته من هذه الزاوية). وبحسب برنارد كوهن، إن تطبيق نظريات النشوء والارتقاء الاجتماعي، في حالات الفهم الاستعمارية البريطانية، من قبل سلسلة واسعة من المسؤولين والباحثين البريطانيين ولّد “نموذج حكم فائق الأهمية: الحاضر الهندي هو ماض أوربي… نُظر إلى الهند على أنها قادرة على أن تتغير من خلال الإحسان البريطاني” (1996، 121). لكن هذا سيستغرق وقتاً. على البريطانيين أن يهيئوا الأوضاع للهنود كي “يتقدّموا على سلّم التطور الاجتماعي عبر إدخال أفكار الملكية الخاصة والتربية الحديثة، واللغة الإنكليزية وفكرها عن الأدب، والسكك الحديدية، والصرف الصحي الحديث والطب”، وهلمجرّا (121). في وجهة النظر هذه، كان الهنود في المرحلة الإقطاعية وثمة حاجة لجعل التغير بطيئاً كي لا يتسم بفوضى شديدة. ولمنع النتائج الخطيرة، “يجب أن يُدَار الهنود، ويكيّفوا أنفسهم مع المفهوم البريطاني للفكر والفعل الملائمين، من أجل خير مستقبلهم”، بحسب كوهن (122). ونظر البريطانيون إلى الهنود في النصف الأول من القرن التاسع عشر على أنهم “أطفال مُضلَّلون”، رعايا بحاجة إلى تحضير (124). وتغيرت التقويمات الاستعمارية بعد التمرد في 1857- 1859، وحينها نُظر إلى الهنود ثانية كـ “خونة وغير قابلين للتغيير” (124)
كانت بعض فرضيات إدارة بوش عن العراقيين، التي عُبِّر عنها في البداية، مختلفة جداً عن تصوير كوهن للهنود المُسْتَعْمَرين في بريطانيا في القرن التاسع عشر. ذلك أن الإدارة الأميركية لم تعد توجهها بشكل رئيسي النسخ الداروينية للارتقاء نحو الأعلى، والتقدم المتواصل والفتح الاستعماري بل نماذج حاكمة للفاعلين العقلانيين والديمقراطية الإجرائية، مما جعلها تصور العراقيين غالباً على أنهم “وُلدوا أحراراً”، وبشكل طبيعي غير قابل للرد. وافترضت لغة الاحتلال هنا، كمثل كثير من تحليلات تصميم مؤسساتية في علم السياسة، أنه بوجود المؤسسات الملائمة (الانتخابية والقضائية والتشريعية) يمكن إجبار البشر على أن يدركوا بسرعة ما هو، في الحقيقة، طبيعتهم. بتعبير آخر، في أعقاب احتلال إدارة بوش العسكري، بزغت أنطولوجيا مختلفة للشخص وللجماعة السياسية. وقد رُبطت هذه الأنطولوجيا، المفترضة، غالباً بشكل غير منسجم مع القوة المتواصلة لأفكار القرن التاسع عشر عن الوصاية، والتي تقول إن سلطة من المفترض أنها عارفة (كمثل بول بريمر) قد تكون مزدرية علناً للشعب الذي تولت مسؤولية تأسيس حكومته الانتقالية. وبالمقارنة مع الفهم البريطاني في القرن التاسع عشر، والمرء “الذي يُولد حراً” لحقبة بوش، أصرّتْ إدارة أوباما بشكل متكرر، على الإشارة إلى ليبيا ومصر وسوريا والعراق، بقولها: “نستطيع أن نفعلها لهم”، أو “إن هذا التغيير يجب أن يأتي من الداخل”. إن ما ينطوي عليه هذا هو أن الجماعات السياسية ستصل إلى الليبرالية بحسب جدول زمني خاص بها، وعدم القدرة على فعل هذا حتى الآن مستقلٌّ عن النهب الغربي المستمر، كما لو أن التدخلات لم تحدث من قبل، ولم تكن متواصلة (ولو بأشكال مختلفة)، وليس لها تأثيرات من المتعذر إصلاحها. (34)
لا يسبّب علم السياسة انتقالات كهذه في السياسة، ويشكو كثير من صانعي السياسة والأساتذة من عدم صلة الفرع بما يعدّونه أولويات مشتركة كمثل تعزيز المصلحة القومية، أو التنبؤ بأحداث سياسية كارثية، أو إنقاذ حياة أميركيين، كما توضح النقاشات حول تمويل المؤسسة القومية للعلوم. فالسيناتور توم كوبرن، مهندس المحاولات المتكررة لإنهاء رعاية المؤسسة القومية للعلوم لأبحاث علم السياسة ، قال، مثلاً، إن “دراسات السلطة التنفيذية الرئاسية، ومواقف الأميركيين من تعطيل مجلس الشيوخ للتصويت، تحمل القليل من الوعد لإنقاذ حياة الأميركيين من الوضع المهدد، أو لتدعيم تفوق أميركا في العالم”.35 إن محاولات تحويل علم السياسة إلى أداة من خلال الدفاع عن علاقة سياسته بالحكومة الأميركية هي بحد ذاتها كاشفة، فهي تلح غالباً على التشابكات غير المعترف بها بين الليبرالية والعلم والإمبراطورية التي نوقشت في الصفحات السابقة. إن العلم التنبؤي الأفضل لخدمة أهداف، من المفترض أنها مشتركة وموضوعية، يتطلب التزاماً مزدوجاً بإجرائية الليبرالية كمنهج علمي وأجندة بحث قوية في آن. ويبدو أيضاً كأنه يستلزم صقْلَ ما يدعوه إيال وايزمان في إشارته إلى مدارس الهندسة المعمارية (2014)، “سذاجة سياسية” مقصودة تقريباً. وبتعبيرٍ مختلف، لعبَ علمُ السياسة دوراً مُهيكِلاً، إن لم يكن عليّاً، في تسهيل التدخل الأميركي في الأنظمة السياسية غير الأوربية، ليس فقط من خلال أدوار استشارية واضحة لصانعي السياسة، أو من خلال تورط وكالة الاستخبارات المركزية، بالرغم من أن هذا حقيقي بما يكفي، لكن من خلال العمل الإيديولوجي ـ المفهومي الذي يؤديه علماء السياسة، عبْر الهوس بـ “التحولات” إلى الانتخابات في بلدان أخرى فيما يتجاهلون مشكلات الولايات المتحدة في الحكم الديمقراطي، مثلاً. وتتعايش نماذج التصميم المؤسساتي، التي تبيّن علمياً مزايا الأنظمة الانتخابية (مثلاً، برزورسكي وآخرون 2000) إلى جانب نماذج تفترض مسبقاً أن الانتخابات مرغوبة، وينظر بعضها إلى الانتخابات كملازمة للديمقراطية، أو تميل إلى أن تقود إليها. وبالرغم من أن الأدبيات التي ظهرت حول الاستبداد “التنافسي” بينت كيف تستطيع الانتخابات دعم الديكتاتوريات، وصححت بالتالي وجهات نظر مفرطة في تفاؤلها، فإن هذه الأدبيات حافظت على افتتان علم السياسة بصندوق الاقتراع، ولم تتعامل مع التناقضات بين “حالات العجز” الديمقراطية والإمبراطورية الأميركية، والطرق التي تواصل بها الولايات المتحدة لعب دور الوسيط المهم للمرونة الاستبدادية، أحياناً في تناقض مع التزاماتها الليبرالية المعترف بها وأحياناً بواسطتها (شيدلر 2002؛2012؛ كاروثرز2002؛ ماغولوني 2006؛ لفيتسكي وواي 2010؛ بليدس ولو 2012؛ من أجل مراجعة لهذه الأدبيات، انظر غاندي ولاست 2009 وهاغارد وكوفمان 2016). أو بتعبير آخر، يحوّل علم السياسة ما قد يكون واضحاً إلى لغز عبر المحافظة على “اتفاقية صمت” (وايزمان 2014) حول مسائل حساسة كهذه كمثل تواطؤات الفرع المعقدة مع الإمبراطورية، أو محورية أسواق الأسلحة التي تهيمن عليها أميركا لكل من استمرارية الاستبداد أو الحرب.(36) ولم يعمل سؤال “لماذا يكرهوننا؟” على مستوى تبريرات إدارة بوش الملتبسة لشن حروبها فحسب، بل حفّز أيضاً المؤتمرات الأكاديمية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، مما قاد في حالة واحدة إلى إنتاج مقالة مؤثرة ثم كتاب، يجسّدان الميل إلى الافتراض المسبق لأميركا فاضلة بطريقة تعتّم على اشمئزاز الآخرين.(37)
كما يجب أن يكون واضحاً مما سبق، إن الاهتمامات المهيمنة في الفرع تدعم دراسات الإسلام والشرق الأوسط بصورة خاصة: التحولات الفاشلة أو الجزئية إلى الديمقراطية، “مرونة” الاستبداد المحيرة، أسئلة حول لماذا بعض الناشطين الإسلاميين معتدلون وراغبون بالعمل داخل النظام (شيء جيد) بينما آخرون هم متطرفون ويعملون كي يقوّضوه (شيء سيء)، والدور الذي يلعبه اضطهاد النساء في جعل المنطقة ضعيفة ديمقراطياً، كلّ هذا يسهم في وجهة نظر حول الشرق الأوسط كمنطقة في حاجة إلى تحول. وتميل دراسات كهذه إلى إعادة تأكيد التزامات الفرع بالعقلانية كنمط مفضل من الوجود، والمؤسسات الإجرائية كطريقة أفضل لضمان “أولويات”38 فاعلين عقلانيين. وتعمل فرضيات عن فعالية المؤسسات والذاتية الكونية للوكلاء العقلانيين متماشية مع أخرى، بما فيه تلك المشربة بالثقافوية السياسية، بالرغم من أن التوجّهين يمكن أن يبدوا متناقضين. وتساعد هذه التحليلات معاً في إنتاج مشروع قوي، لكن ربما غير متماسك، مشروع تكون فيه المؤسسات مصممة لتسهيل تعبيرات عن الإرادة السياسية تتم مناصرتها، فيما يتم التنكر غالباً للتعبيرات الفعلية عن الإرادة السياسية. إن هذا التقسيم: “المسلمون الجيدون والمسلمون السيئون”، يمكن أن يُفهم كنتاج لهذا التوتر (العبارة هي لممداني 2005). وإذا ما عبّرنا بفظاظة: إن “المسلمين الجيدين” هم الراغبون بإدراك طبيعتهم وبناء مؤسسات ديمقراطية تحتوي الصراع (نسخة من المؤسساتية)، أو بأن يصبحوا مغربنين، وبالتالي يفقدون خصائص المجموعة التي أعاقت تقدمهم (التوجه الثقافوي).39 إن المثال على ذلك في أعقاب الانتفاضات العربية هو المديح الذي أُغدق على التونسيين كونهم ديمقراطيين، وعلى الانتفاضة التونسية لكونها “ناجحة” لأنها قادت إلى الانتخابات، ولـ “الإسلاميين” التونسيين لكونهم معتدلين.(40)
لم ينجم عن الاتجاهات السائدة للبحث التقليدي (لدى الخبراء والهواة على حد سواء) غياب تام للبحث النقدي حول الشرق الأوسط. فقد جاء كثير من الأدبيات المهمة من مفسّرين لا يُعدون كثيراً منتمين بالضرورة إلى الأعراف المنهجية أو السياسية التقليدية.(41) لكن ينبغي أن نشير أيضاً إلى رغبة بعض الباحثين، في فترة ما بعد بوش، بالتفكير بمظاهر الإمبراطورية الأميركية، وإلى حد كبير من خلال الإقرار باتفاقيات بين النخب الاستبدادية المحلية والمسؤولين الأميركيين، وأيضاً، كما اقترحنا أعلاه، عبْر التشكيك بدور (إن لم يكن بالضبط تفضيل) الانتخابات في الخلفيات الاستبدادية.(42) مع ذلك، ما يبقى مذهلاً، بالرغم من التنوع المهم والإبداع، هو الرفض واسع الانتشار لدمج هذه الاستبصارات المتنوعة، ولمناقشة كيف أن الإجرائية الليبرالية والعلم الإجرائي متشابكان مع الإمبراطورية الأميركية، وكذلك المعاني الضمنية لهذا التشابك بالنسبة للأنظمة السياسية للشرق الأوسط.(43) وتساعد الصور عن المنطقة وسكانها كمتخلفين، أو بحاجة للإنقاذ، في تبرير أشكال مختلفة من التدخل. ونعرف هذا، بفضل سعيد وآخرين. إن ما هو أكثر ملاءمة للهدف في الحقبة المعاصرة هو حالات الحذف والتبسيطات، وندرة الانتقادات النظرية لخطوط البحث الكاملة، مما يعتم كيف تتمزج جهود علم السياسة لتوخي الموضوعية العلمية مع فرضيات ليبرالية مسبقة لدعم نظام عالمي مُؤَمَّن إمبراطورياً من قبل الولايات المتحدة.
خاتمة
يتواجد العمل البحثي والسياسة في العالم السيميائي نفسه؛ فقد تزامنت معتقدات إدارتي بوش وأوباما المعلنة جيداً مع أفكار علمية وليبرالية سائدة عن الفرد. ذلك أنّ فكرة الكائنات البشرية كحاملة حقوق، وكأفراد عقلانيين يشكلون بصورة طبيعية مجموعات لحماية مصالحهم وفحص مصالح الفئات المنافسة جزءٌ من “أفق ما هو مسلم به جدلياً” (هول 1988، 4) في كثير من علم السياسة. أما الافتراض بأن الحكومة الجيدة هي التي تحمي الحقوق الفردية غير القابلة للرد، وهي جمعية وديمقراطية (من زاوية إجرائية)، فقد حثّ حتى بعض علماء السياسة على تقديم خدماتهم كـ “خبراء في الديمقراطية” في عراق ما بعد صدام حسين. وفي ضوء هذا، ينبغي أن نشير إلى التغاير بين تناول الأنثروبولوجيين، الذين تطوّعوا كي يخدموا مع فرق “برنامج التضاريس البشرية” العسكري، ومشاركة علماء سياسة في عدد كبير من المشاريع العسكرية الأميركية: شكّلتْ الجمعية الأنثروبولوجية الأميركية لجنة لدراسة هذه المسألة وخرجت بتقرير نهائي أوصى بأن “الجمعية الأنثروبولوجية الأميركية تشدد على عدم انسجام “برنامج التضاريس البشرية” مع الأخلاق والممارسة التخصصية لناشدي الوظائف”. وبحسب معرفتي، إن مشاركة علماء سياسة كمستشارين، بينما انتُقدت من زاوية سياسية (من قبل باحثين يعارضون الحرب على العراق، مثلاً)، لم تُعْتَبر خرقاً محتملاً لمعايير وأخلاق الفرع.(44)
إن الحجة التي أسوقها في هذا الفصل ليست أن قناعات كهذه عن الفرد أو الحكومة الجيدة خاطئة أو صحيحة بحد ذاتها، بل ساعدت في تنظيم المصطلحات الحالية لتصورات عن السياسة. وساعدَ توحُّدُ القيم الليبرالية مع المناهج العلمية والضرورات المفترضة للسياسة الخارجية الأميركية في إعادة إنتاج الأوضاع المعيارية والعملية التي يمكن في ظلها مواصلة النظر إلى الشرق الأوسط كمكان يتطلب التدخل (لمناقشة تواطؤ المنظرين الليبراليين مع الإمبراطورية في الحقب السابقة، انظر ميهتا 1999؛ بيتس 2005)، وقد كانت هذه الدعوات بارزة خاصةً في أعقاب إخفاقات الانتفاضات العربية في إسقاط الأنظمة الاستبدادية.
لا يشارك جميع علماء السياسة في تعزيز الإمبراطورية الأميركية، أو يعتنقون قيماً ليبرالية، أو يطبقون المنهج العلمي. ولا يعتنق أولئك الذين يفعلون ذلك قيماً ليبرالية، أو لا يدعم الذين يمارسون العلم بالضرورة أي مظهر خاص من السياسة الخارجية الأميركية. إن حجتي ليست عن الأفراد، بالرغم من أن هناك أفراداً يجسّدون العمليات التي أشدّد عليها هنا. إن ما أؤكّد عليه يتعلق بالمنهج كمنهج، وكيف تمتزج التقويمات المعيارية للتيار الرئيسي لما هو قيّم للدراسة، والمناهج التي هناك حاجة لدراستها، مع التزامات ابستمولوجية وأعمال روتينية مؤسساتية (كمثل تقسيمات التخصصات الفرعية التي تفصل النظرية السياسية عن العلم، أو التي تمنح الميزة للسياسة الأميركية كحقل باسم جغرافي ولكن ليس خصوصية منطقة) لتوليد تفكير بحثي متجانس مع السياسة الإمبريالية.
وكي أعبّر عن حجتي بطريقة مبسطة، إن فرع علم السياسة سهّل الإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط بالطرق التالية: 1- بتقديم “وسطاء ديمقراطية”، لمؤسسات مثل سلطة الائتلاف الأميركي المؤقتة في العراق (انظر كارابيكو 2013)،45 2 - بطرح أفكار ليبرالية إيجابية بصورة محددة عن “الحكم الجيد”، تعمل كمعايير التقويم العلمي في مكافأة البلدان بالمساعدة المالية، أو عدم تقديمها لها، أو في تبرير التدخل العسكري (من أجل نقاش مهم لانتشار معايير مثل “حكم جيد” و”رأسمال اجتماعي” في البنك الدولي، انظر بيبنغتون، وولوك، ككنغهايم وأولسون 2006)؛ 3 - بسبب الفشل في توجيه انتقادات قوية ومنتظمة للإمبريالية الأميركية، كمشكلة عامة؛ 4 - بالحفاظ على حدود تخصصات فرعية لها تأثير الإصرار على الفصل بين الحقيقة والقيمة، ودعم الحيادية العلمية، والنظر إلى المناهج العلمية على أنها من الأسس الإيديولوجية؛ ٥ - بإنشاء فكرة عن السياسة الأميركية كلامنطقة، ميدان له أهمية للفرع مستمدة من صقل صرامة منهجية معممة ووضعية بصورة خاصة ورفضه الملازم لـ “أقلمة” أميركا، إذا استعرنا معنى ديبيش تشاكرابارتي للمصطلح؛ ٦- بفصل المؤسسات عن الأفكار، بالتالي الفشل في تحليل كيف (تسود) الأفكار في المؤسسات، أو التفكير بكيف تعتمد المؤسسات ذاتها على الأفكار التي تلهم إبداعها والحفاظ عليها؛ ٧ - ما له صلة بهذا هو إنتاج تحليلات مؤسساتية أو ثقافوية إشكالية هي نتاج هذا الانشقاق: التحليلات المؤسساتية عن الشرق الأوسط التي تحذف من التاريخ التورط الأميركي (مثلاً، دراسة تشودري في 1997 عن بناء الدولة في المملكة العربية السعودية؛ انظر انتقادات ميتشيل 2003؛ فيتاليس 1999) أو دراسات تنظر إلى الثقافة كـ “خصائص مجموعة” خاصة بالعرب (أو المسلمين، أو الشرق أوسطيين)، خصائص تعرقل التقدم وهي خارج التاريخ أو علاقات القوة.
وبصورة عامة أكثر، تسأل دراسات علم السياسة التي تتناول “السلم الديمقراطي” لماذا تفشل الديمقراطيات في مقاتلة بعضها بعضاً دون أن تستقصي بصورة صحيحة ما هي الديمقراطية، أو ربما على نحو أكثر أهمية هنا، فيما إذا كان التعايش السلمي بين الديمقراطيات هو في ذاته نتاج نظام استعماري كانت فيه “الديمقراطيات” تشن الحرب بقوة ضد الملونين (أنتج “السلم الديمقراطي” صناعة محلية من الداعمين والمزدرين؛ انظر دويل 1983؛ إن كثيراً من المقالات الرئيسية مجموعة في بروان، لين - جونز وميلر 1996). ما أريد قوله هو أن الثاني استنتاج صحيح (بالرغم من أنه قد يكون) بل إن علم السياسة يميل إلى إخراج فرضيات كهذه من الاعتبار. بالتالي، لا يتكتل العلم والليبرالية والإمبراطورية من خلال تأكيدات واضحة وفرضيات ضمنية فحسب بل أيضاً من خلال عمليات الحذف التي تسجّل وتولّد في الوقت نفسه ما هو قابل للإدراك والنقاش والمعرفة.
باختصار، ساعدَ علمُ السياسة، في فترة ما بعد الحرب العالمية، في تعزيز ما سمّاه ديفد سكوت بكفاءة “التأثير المُحَضِّر”، وفيه صار يعتمد كونك مسلماً جيداً، أو دولة عربية جيدة بصورة متزايدة “على رغبة (أحياناً مفروضة، وأحياناً مُولَّدة بالإغراء)” (25) لقبول المصطلحات المعيارية (إن لم يكن التطبيق الفعلي) لديمقراطية إجرائية كروح تُبنى عليها نماذج التنظيم السياسي وتُقوَّم. وباسم هذا المبدأ، فإن الشرق الأوسط أو الإسلام، كمتأخر عن الركب أو مسبّب للمشكلات، يصبح المشكلة التي يجب حلّها، المكان “الآخر” الذي يحتاج، بشكل غير قابل للقياس، إلى انتباه خاص وتأكيدات جديدة للسيطرة.
[ترجمة: أسامة إسبر]
شكر
تودّ المؤلفة أن تشكر بشكل خاص بول أمار، ناديا أبو الحاج ولاريسا تشومياك، وشارون كراسنو، ومايكل دوسون، وبروس غرانت، وستيفن هاغارد، وريسات كاسابا، زاكري لوكمان، كارين بفايفر، جينيفر بيتس، دون رينو، جيليان شويدلر وسيتيني شامي على تعليقاتهم على نسخ هذا الفصل. أنا ممتنة أيضاً لأعضاء “مشغل السياسة المقارنة” في جامعة شيكاغو من أجل اقتراحاتهم المفيدة، خاصة روهيت غويل، دارا غرانت، تود هول، كريس هيد، ديانا كيم، جون ميرشايمر، جون بادجيت، سارا باركنسون، إم جي بيترسن، إيريكا سيمونز، نيك سميث، وستيفن ولكنسون. ساعدتني أيضاً ندوة حول التجديدات في التخصص في جامعة كولومبيا بأن أصقل أفكاري، وأنا ممتنة لكل من جيل أنيدجار وبارثا تشاتيرجي، اللذين ناقشاني، وكذلك عقيل بلغرامي، وجيمس شاندلر وجوزيف مسعد من أجل أسئلتهم. وساعدتني المحاضرات في الكلية الجديدة للبحث الاجتماعي وجامعة نيويورك بشكل فائق للعادة أيضاً. وأخص بالشكر روهيت غويل ودارا غرانت وصوفيا فينير لمساعدتهم في البحث.
هوامش
1- أنا مدينة لمحمود (2006) من أجل هذه الصياغة. يمكن تعقّب هذه العلاقة التاريخية القائمة على تورط متبادل بين العلم والليبرالية إلى القرن السابع عشر.
2- أكتب “بالمجمل” لأن الولايات المتحدة انخرطت في الحقيقة في حروب أو معارك بتدخل مباشر في أثناء تلك الفترة (مثلاً في بنما وغرينادا وليبيا والصومال). وبالرغم من الدليل على التبدل، ما يسم كل هذه الحروب هو عدم التوازن بين الولايات المتحدة وأعدائها.
3- أنا مدينة بالشكر لصوفيا فينر هنا.
4- هذه الصياغة هي شرح لجيرتز (1981) من مناقشته للطقوس في مسرح الدولة في نيغارا.
5- بالطبع كان لكل مسلمة ليبرالية أوضاعها المضادة دوماً. فالاعتقاد بأن البشر يولدون بحقوق غير قابلة للرد لم يمنع أبداً ممارسات في المجتمعات الليبرالية مكنت بعض الناس من أن يتمتّعوا بحقوق أكثر أو أفضل من الآخرين. وفي الحقيقة، كانت تعريفات ما يشكّل التحقق الإنساني الكامل خاضعة للجدل والمراجعة؛ وقد عومل الملونون والفقراء والشواذ والسحاقيات غالباً كأقل إنسانية في التاريخ السياسي الأميركي، مثلاً. أما الاعتقاد بأن جميع البشر قادرون على التفكير العقلاني - المسلمة رقم 2 - فلا يعني أن جميع البشر يفكرون عقلانياً بانتظام، أو أن الباحثين يفهمون بإجماع ما تعنيه العقلانية، أو أن الحسابات العقلانية هي بالضرورة دوماً طريقة مرغوبة في إدارة الحياة السياسية في جميع الظروف. المسلمة الثالثة - أن الأفراد من المحتمل أن يشكلوا فصائل من أجل أن يلاحقوا مصالحهم - مصقولة بشكل أكثر شهرة في كتاب جيمس ماديسون ورقة فيدرالية # 10. فقد قال ماديسون إن التسويات المفضية إلى المصلحة العامة اقتضت أنه يجب فحص مصالح جميع فصائل المواطنين وموازنتها إزاء فصائل أخرى. وقد عُبِّرَ عن أفكار كهذه عملياً بشكل مؤسساتي في الأحزاب السياسية ولكن أدوات المصلحة الجماعية هذه، على الأقل في حالة الولايات المتحدة، لم تكن قادرة على تعزيز مصالح المواطنين أو التعبير عن المظالم كلها بشكل صحيح. أخيراً، إن حكومة مسؤولة أمام إرادة الشعب تولد اهتمامات مألوفة عما يشكل إرادة الشعب، “الشعب”، المسؤولية، إلخ.
6- إن مناصري التجارب، الاتجاه الأكثر جدة في الاختصاص، يزعمون أن طريقتهم تقدم للباحثين السيطرة العلمية التي يفتقرون إليها في أشكال أخرى من البحث. وبالرغم من أن التجارب يمكن أن تجسّد نوعاً من المثال المنهجي لكثير من الاختصاص، فإن معظم العمل في الاختصاص ما يزال غير تجريبي، وربما لن يكون أبداً، مفترضين القيود اللوجستية. أنا مدينة بالشكر لصوفيا فينر لتدخلها هنا.
7- يقلق مورجنتاو، بشكل خاص، من الاتجاه نحو تحديد السياسة بالعلم، والعلم بالأخلاق، والمفاهيم الليبرالية للشؤون الدولية بالعقل (1974 [1946]، 35، 71). وكمثل وضعيين آخرين، على أي حال، لا يمتلك فكرة عن “واقع سياسي” حقيقي منفصل عن “سوء فهم” ليبرالي له. وفي الحقيقة، “تصارع القوةُ القوةَ من أجل البقاء والتفوق” (71)، وهذا فهم للسياسي مدين لكارل شميت. وبالنسبة لمورجنتاو، فشلتْ أفكار الليبرالية عن “العقل والتقدم والسلام” (6) في الاعتراف بتأصل الفاشية، ليس تاريخياً في “العصر المفلس الذي سبقها” فحسب (7) بل في الطبيعة الإنسانية أيضاً. وكانت الليبرالية جزءاً من المشكلة؛ وترك ارتباطها بحكم القانون والعلم والتخطيط الاجتماعي الديمقراطية ضعيفة في وجه الأعداء (انظر مناقشة جون جي. غنيل لكتاب مورجنتاو انحدار النظرية السياسية [1993، 209]. وكما قال لي دارا غرانت، يعنون مورجنتاو في كتابه الذي صدر فيما بعد السياسة بين الأمم (2006 [1948]، 17-26)، فصله الثاني “علم السياسة الدولية”، ويلجأ في وصفه للواقعية إلى موضوعية منسجمة مع التزامات التخصص بالعلم:
إن الواقعية، التي تؤمن، كما تفعل، بموضوعية قوانين السياسة، يجب أن تؤمن أيضاً بإمكانية تطوير نظرية عقلانية تعكس، ولو بشكل غير تام وأحادي الجانب، تلك القوانين الموضوعية. تؤمن أيضاً، إذاً، في إمكانية التمييز في السياسة بين الحقيقة والرأي، بين ما هو صحيح موضوعياً وعقلانياً، ومدعوم بالدليل ومضاء بالعقل، وما هو فقط حكم ذاتي منفصل عن الحقائق كما هي هي ومكّون من خلال المسبق والتفكير الرَّغبي”. (4، انظر أيضاً ص 5).
إن تمييزات مورجنتاو بين الأحكام العلمية والتفكير الرَّغبي الليبرالي مهمة، وأيضاً اللغز الذي يولّده باقتراحه أن الديمقراطية الليبرالية يمكن أن تُنقذ فقط (من الفاشية، مثلاً) عبر التخلي عنها. وتعكس وجهات نظر مورجنتاو في العلم في كتاب السياسة بين الأمم توتراً أيضاً بين انجذابات للعلم وشكيّة شميتية (نسبة إلى شميت) بها. ويشك مورجنتاو بأن التقدم العلمة يمكن أن يتجاوز السياسي وينتج سلماً أبدياً. ويرى أن ”الحقبة العلمية للعلاقات الدولية” تتخلى عن “تقويمات سياسية حقيقية” وتعرقل “هذا إذا لم تدمر بشكل كامل القدرة عي اتخاذ أية قرارات سياسية ذكية” (48) ويربط “استخدام الطريقة العلمية في السياسة” بالليبرالية بطرق توضح مشكلاته مع كليهما. ويعتقد جون ميرشايمر أن مورجنتاو وضع عنوان فصله الثاني “علم العلاقات الدولية” ليس لأنه شاهد نفسه ينتج نظرية علمية لكن لأنه رأى الفرع يتحرك في ذاك الاتجاه “ورفع قبعته” له (مناقشة مع جون ميرشايمر، 3 نيسان، 2008).
8- إن أورين أقل اهتماماً بالتزامات علم السياسة بالليبرالية والتقاطعات بين الليبرالية والعلم وأكثر اهتماماً بافتتان الفرع الأولي بالفاشية الألمانية، وهذا اتجاه آخر مهم ولو كان أقل إلحاحية. يشير أن جون دبليو. بيرجيس، الذي غالباً ما يُعد مؤسس الفرع، نظر إلى “السلالة التيوتينية” على أنها متفوقة سياسياً. ويورد أيضاً إعجاب وودرو ولسون المشهور ببيروقراطية بروسيا الفعالة والمراجعة المفضلة لكتاب كفاحي المنشورة في أميركان بوليتكال ساينس ريفيو. أشكر جيليان شويدلر وجون مارك هانسن للفت انتباهي إلى هذا العمل.
9- مراجعة ترويجية لكتاب كريستين رينويك مونرو البيروسترويكا! التمرد الصاخب في علم السياسة.
10- أنا مدينة بالشكر لمايكل دوسون لأنه ناقش معي السمات التي يتميز بها “المجتمع الجيد”.
11- يوجد في ذهني، مثلاً، طلاب وليم ريكر ورتشارد مكليفي (كين شيبسل، جون ألدريك، سكيب لوبيا وبيتر أوردشوك، بين آخرين). يستحق كريس هيد الشكر لمساعدته في فرز هذا التاريخ.
12- قدمت كيشا ليندسي هذه المعلومات من خلال “ورلد كات أنترنت ديتابيس سيرش” (حزيران، 2001) ومن خلال مقابلة هاتفية مع إيريك روهمان، مدير المبيعات، مطبعة جامعة برنستون، 11 حزيران 2001. وبالرغم من أن غاري كينغ وروبرت كيوهين وسيدني فيربا يزعمون أن “هدفهم عملي: تصميم البحث الذي سيُنتج استنتاجات صالحة عن الحياة الاجتماعية والسياسية” (1994، ٣)، فإن عدة علماء سياسة، بعضهم يدعمون المشروع، شبهوا المشروع بمشروع ديني، “جهد تبشيري” (شيفلي 1995)، كتاب “يهدف إلى التبشير بالإنجيل”(روغوسكي 1995، 467)، كتاب “وعظي ديني”، “يعبر عن إيمان مباشر وبسيط” (برادي 1995، 12). كل هذا وارد في مقال جيمس جونسون الممتاز عواقب الوضعية: تقويم براغماتي (2006). وتختلف تلك المقالة بشكل ملحوظ عن تحليلي لكتاب كينغ وكيوهين وفيربا هنا في أن الأول يناقش النص مباشرة بدلاً من تحليل كيف “يعمل” الكتاب بالمعنى الفوكوي. بتعبير آخر، لا يستبعد جونسون فيما إذا كان النص جيداً أو سيئاً بل يقول إن نظرية المؤلف في البحث تعرقل قدرتنا على فهم تحليلات كمية ناجحة والتفسير السببي. يقول أيضاً إنه فشل في مهمته في “إيصال وحدة فكرية إلى فرع العلوم السياسية” (224). أنا أكثر اهتماماً بلماذا وكيف تهم تلك الوحدة.
13- إن النص الأكثر وضوحاً هو كتاب غابرييل ألموند فرع منقسم: مدارس وطوائف في علم السياسة (1990). ويشكّل كتاب غاري كينغ توحيد المنهجية السياسية: نظرية مرجّحة للاستنتاج الإحصائي (1989) محاولة لتوحيد المناهج الإحصائية في علم السياسة. إن كتاب تصميم البحث الاجتماعي أكثر طموحاً. وقد حثّ كينغ وكيوهين وفيربا على رد فعل داخل الفرع بين كثيرين من باحثي المناهج النوعية الوضعية. إن بعض هؤلاء الباحثين ملتزمون بـ “معايير مشتركة” بين العمل الكمي والنوعي، لكن آخرين غير ملتزمين؛ وما يشتركون به هو اهتمام متزايد، ما بعد كينغ وكيوهين وفيربا، بتوضيح القواعد، التي وفقاً لها يمكن إنجاز البحث النوعي “الجيد”، والتي هي غالباً ليست أقل تخصصاً في العمل الذي تفعله من كينغ وكيوهين وفيربا. إن أحد الكتب النقدية الأكثر ذكراً لكتاب تصميم البحث الاجتماعي هو إعادة التفكير بالبحث الاجتماعي: أدوات متنوعة، معايير مشتركة (برادي وكوليير 2004). بالإضافة إلى برادي وكوليير، هناك كتاب ماهوني ورويسشايمر الصادر في 2003 تحليل تاريخي مقارن في العلوم الاجتماعية.
14- تظهرُ المعطيات التي جمعها دارا غرانت حول أقسام العلوم السياسية العشرة التي في المرتبة الأولى في الولايات المتحدة في العام الدراسي 2006- 2007 أن 71٪ تقريباً من جميع الباحثين من حملة الدكتوراه يقومون ببحث كمي، رسمي، أو”مناهج مختلطة”، و 16٪ آخرون هم منظّرون سياسيون، و13٪ محددون بشكل لا لبس فيه مع العمل النوعي. وتعكس هذه الأرقام تبدلاً جيلياً مهماً. وصل غرانت إلى هذه الأرقام من خلال فرز لعينة واسعة من المنشورات (بما فيه أطروحات الدكتوراه). إن المعطيات متوفرة من djgrant@uchicago.edu . ويتمتع 12 قسماً بمراتب“العشر القمة” بحسب تقرير “نيوز آند وورلد” لعام 2005. وتشمل تلك المراتب الجامعات التالية (بالترتيب الأبجدي) بيركلي، شيكاغو، كولومبيا، هارفرد، ميشيغان، إم آي تي، برنستون، ستانفورد، جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وجامعة كاليفورنيا - سان دييغو، وييل. وفي تقرير “نيوز آند وورلد” لعالم 2013، انضمت ديوك إلى مراتب العشر القمة وخرجت جامعة شيكاغو، محافظةً على ترتيبها العالي في العلوم السياسية (الرقم 3). ويوحي هذا التغير نفسه بالتهميش المتواصل للنظرية السياسية المتعلقة بالسياسة الأميركية، والعلاقات الدولية والمنهجية والحقل المتنامي بسرعة للسياسة المقارنة، التي صارت مناهجها ملهمة بشكل متزايد من ابتكارات منهجية علمية مدعمة تكنولوجياً. وتحتوي مقالة في هذا الكتاب على المزيد من الأرقام الحديثة وأكثر تفاؤلاً حول تنوع الفرع مني. وإذا كان هناك شيء، سأقترح أن الافتتان بالمناهج صار أكثر توتراً من قبل وأن الجهود للعمل ضد الميول الطبيعية هي أكثر صعوبة مما كانت عليه حين كانت الأقسام تتوسع بشكل ملحوظ في العقد الأول من الألفية الثانية . في تلك النقطة،استطاعت الهيئة التدريسية أن تكون تضمينية والقيام بالمجازفات.
15- إن النقد المسمي لنفسه إعادة التفكير بالبحث الاجتماعي: أدوات متنوعة، معايير مشتركة (2004) مثال على ذلك، كما يوحي العنوان.
16- كانت المؤسسة القومية للعلوم قوة رئيسية أيضاً في النمو المتواصل للاختصاص الفرعي لعلم المنهج السياسي، واستثمرت ملايين الدولارات في مشروعات كهذه.
17- من المهم أن نعترف أن هناك علماء سياسة يميلون إلى التحليل الكمي يقرون بوجود مشاكل حقيقية في معالجة “المعطيات” بشكل غير نقدي في التحليلات الكمية. مثلاً، لا يقوض نقد ولكنسون (2010) الاعتقاد بأن هناك “حقائق تطويرية موضوعية وأخرى تنتظر الاكتشاف…” (مراسلة بالبريد الإلكتروني، 1 نيسان، 2008) وأنا لا أقول هنا إن اعتقاداً كهذا خاطئ، أو إنه ليست هناك أشياء كالحقائق. بالأحرى، هناك أنواع مختلفة من الحقائق، ليست كلها خاضعة لترسيم برهاني سهل. إن قولنا:”هذا كرسي” والإشارة إلى مثال ليس كمثل تحديد “حقيقة تطورية” واستخدامها في خطاب علمي اجتماعي. إن مقولات “الحقيقة” المحملة بالقيمة أو المعتمدة على مفاهيم تولّد الحيرة مثل التطور والديمقراطية والجريمة أو العدالة، يمكن أن تقود إلى اختلافات مهمة بشكل خاص ولكن مهملة، على الأقل في العلوم السياسية، حول ما هي الحقيقة أو ما يجعلها ذات صلة.
18- لنأخذ مثالاً واحداً، إن ذكر البحث المقتبس حول الديمقراطية الانتخابية يشير إلى تأثيراته الإيجابية بينما يوصف الحكم الاستبدادي بين قوسين على أنه يقمع تنظيم العمال ومطالب العمال (142)، وهذا اعتراض؟؟ يمكن أن يصف بكفاءة أيضاً بعض “الديمقراطيات المستقرة”.
19- إن كتاب ناديا أبو الحاج (2001) الذي يناقش الطرق التي عملتْ بها افتراضات ابستمولوجية وثقافية قومية من خلال الأركيولوجيا كعلم ميداني في إسرائيل ساعدني في التفكير حول ديناميات الإنتاج البحثي في علم السياسة.
20- يمكن القول إن المحتفين يخلطون بين العلم كـ “صيغة نهائية من المعرفة والعلم كأفضل مثال متاح حالياً عن المعرفة البشرية”. ربما كان نقدي خاضعاً لتهمة مشابهة، لكنني أريد أن أفكر بأن ما يمكن أن يُعد خلطاً بين وجهتي نظر مختلفتين غالباً ما يرقى إلى الشيء نفسه. فالتفكير العلمي في الفرع (بسبب غياب مصطلح أفضل) يمكن ألا يزعم أن المعرفة النهائية للظاهرة (إكس) متاحة لنا الآن، لكنه يزعم أنه لا توجد طريقة أفضل منه للوصول إليها. وهكذا فإن سؤالاً لا تستطيع أن تجيب عليه حالياً لا يُعاد طرحه ويُجاوب عليه من زاوية أخرى. بالأحرى، حتى إخفاقات المعرفة العلمية تُعد نجاحاً، بالتأثير المضاف لإعاقة التفكير بالعلم الاجتماعي الوضعي كميتافيزيق. أنا مدينة بالشكر لشارون كراسنو ودون رينو هنا.
21- تناقش ناديا أبو الحاج (2005) التوترات بين إنسية التنوير الغربي لدى سعيد ودَينه لفوكو. وتقترح روزاليند موريس (2007، 33) أنه يمكن أن تكون هناك قرابة بين مفهوم فوكو للابستمي وفكرة الأنثروبولوجياالأميركية عن الثقافة، خاصة تحت تأثير البنيوية التي تفسّر تأثر الأنثروبولوجيا بفكر فوكو.
22- لا تمثل هيمنة المناهج الكمية والنماذج الرسمية على مجلات رئيسية الفرع ككل، بالطبع، لكنها تواصل التواشج جيداً مع اتجاهات حديثة في التوظيف في الأقسام في الجامعات التي تتمتع بالمرتبة الأولى.
23- تمتلك الولايات المتحدة خصوصياتها طبعاً (على المرء أن يتذكر فحسب الجدل حول “استثنائية” أميركا)، لكن مع ذلك إن مكانة أميركا كمنطقة محددة هي عادة ليست قضية ونادراً ما عولجت كحالة بين حالات في السياسة المقارنة، بالرغم من أن هذا يمكن أنه يتغيّر.
24- إن الفقرات التالية حول الثقافة مقتبسة بشكل معدل قليلاً من مقالتي “التصور المفهومي للثقافة: إمكانيات لعلم السياسة” (انظر: ودين 2002).
25- يطرح ميتشيل (2003) نقطة مشابهة ويستخدم كتاب كيرن شودري (1997) حول المملكة العربية السعودية واليمن كمثال. لكن هذه الممارسة نموذجية بحيث أن المرء سيبذل جهداً كبيراً كي يعثر على تحليلات في، مثلاً، العلاقات الدولية لا تقوم بالفصل بين الثقافة والمؤسسات. إن العمل الأخير في علم الاقتصاد يتحدث أيضاً عن “ثقافة مؤسساتية”، توحي ببعض التعتيم للتقسيم. مفترضين أن التفسيرات المؤسساتية (التي تركز على بنى تنظيمية متضمنة ومصالح مادية) موضوعة بشكل متجاور مع التفسيرات “المثالية” (التي تتضمن أحياناً تأكيدات ثقافة سياسية لا يمكن الدفاع عنها إمبريقياً وأحياناً ببساطة تشير ضمناً إلى “أفكار”)، يذهب علماء السياسة إلى تجاهل التفاعل المهم للمؤسسات السياسية والظروف السيميائية. أو بتعبير مختلف، إن المؤسسات والأفكار مُكَوِّنة لبعضها بعضاً، إنها مبنية تاريخياً وتتغيّر مع مرور الزمن، وبالرغم من أنها مميزة تحليلياً، فهي متشابكة إمبريقياً ومشتركة في التشكيل (ودين ٢٠٠٨). إن نظاماً تربوياً ليس مجرد مؤسسة؛ إنه يفترض مسبقاً أفكاراً عن ما يُعدُّ كبيداغوجيا (علم أصول التدريس)، ومن يمكن أن يكون طالباً، إلخ. بتعبير آخر، بالإضافة إلى أفكار إشكالية عما هي “الثقافة”، يميل علماء السياسة لرؤية الثقافة والمؤسسات كتفسيرات متضادة، كل واحدة موظفة على التعاقب كي تقدم تفسيرات متنافسة لمحصلات سياسية.
26- لقد كتبتُ عن نموذج الثقافة السياسية في “التصور المفهومي للثقافة” (2002)، ولا أكرر الحجة بأكملها هنا. بعض الجمل مقتطفة من المقالة.
27 - يبسّط هذا التلخيص للثقافة السياسية، كما هو معروف، مجموعة معقدة من المقاربات. ففي علم السياسة، كانت الدراسة “الكلاسيكية” هي كتاب غابرييل إي. ألموند و سيدني فيربا الثقافة المدنية: المواقف السياسية والديمقراطية في خمس أمم (1963). انظر أيضاً: مقالة فيربا في باي وفيربا (1965، 512- 60). من أجل أحد أحدث الكتب المؤثرة في هذا النوع، انظر بوتمان، ليوناردي ونانيتي (1993)، من أجل توسيع متبصر لمفهوم بتنام لـ “لرأس المال الاجتماعي”، انظر بوا وبوسنر (1998).
28- قِيلَ في منتصف الثمانينيات في قسم علوم سياسية من المرتبة الأولى لطلاب الدراسات العليا في صف حول السياسة الأميركية إن الثقافة السياسية هو “ملاذ الأوغاد”.
29- إن دراسات الشرق الأوسط هي حقلٌ واحد شُحن فيه المفهوم بشكل خاص. أذكر باحثين مثل ليزا أندرسون وكيرين عزيز وعزيز شودري ومايكل هدسون يستخدمون كلهم “الثقافة” كي تعني جواهر قابلة للتحديد، أو قيماً مترسبة ملازمة في جماعات معينة. ويميل تشودري (1994) بخاصة إلى خلط استحضارات سامويل هنتنغتون للمصطلح مع أي اهتمام بـ “الثقافة” أو الدراسات الثقافية؛ انظر أيضاً أندرسون 1995 وهدسون 1995.
30 - كعالمة سياسة، قالت ليزا أندرسون:”يفترض داعمو الديمقراطية أن فشل بلاد في تطبيقها دليل على الفساد السياسي أو التردي الأخلاقي لدى مواطنيها”، وغالباً ما يُنظر إلى هذا الفشل بأنه لاتاريخي، أو له جذور عميقة بطول قرون (وارد لدى غلفن 2005، 306). ومال الجدل داخل علم السياسة عن “الإرهابيين” إلى الدوران حول مسألة عقلانية “الإرهابيين” والجماعات “الإرهابية” (أوعدم عقلانيتهم). إما يُنظر إليهم كغير عقلانيين، وهذا في حد ذاته غالباً انعكاس لانحرافهم عن المثال الليبرالي، أو هم فاعلون عقلانيون، هادفون رفضوا (وهذا غالباً مفضّل بشكل ضمني) خيار الليبرالية.
31- أنا مدينة بالشكر لديفد سكوت للفت نظري إلى باديو أيضاً.
32- حول نظرية التحديث، انظر خاصة العمل الذي تلقى مديحاً عالياً حول الشرق الأوسط للعالم الاجتماعي دانييل ليرنر، الذي قرئ كتابه موت المجتمع التقليدي: تحديث الشرق الأوسط (1958) على نطاق واسع في أنحاء الفرع. لم يمتلك ليرنر أي تدريب حول تاريخ الشرق الأوسط أو لغاته.
33- تقول سابا محمود (2006) إن الولايات المتحدة شنّت أيضاً حملة لاهوتية تهدف إلى تغيير حساسيات المسلمين العاديين. وفي تطبيق هذا المشروع، عثرت الولايات المتحدة على حلفاء بين المسلمين المعتدلين أو الليبراليين الذين، في هذه الفترة التاريخية، شاطروا مقاربة “للتأويل النصي”، أو تأويلات النص القرآني. تقول محمود بشكل مقنع إن هناك التقاء بين المصلحة الإمبراطورية الأميركية والمصلحين الليبراليين العلمانيين. ويجب أن نفهم هذا الالتقاء من “منظور العلمانية المعيارية ونوع الذاتية الدينية التي يناصرها” بدلاً من مجرد “اجتماع طارئ للأهداف السياسية والتشكل الاجتماعي الأهلي” (329).
34- انظر أسلي يو. بالي وزياد أبو ريش، “التدخل الدولي والموقف الأليم في ليبيا”، جدلية، 23 شباط 2011؛ وأسلي يو. بالي وعزيز ف. رنا، “لوقف القتل، تعاملوا مع الأسد”، ذ نيويورك تايمز، 10 نيسان\\إبريل 2012.
35- توم كوبرن، رسالة إلى مدير المؤسسة القومية للعلوم سوبر سوريش، 12 آذار، 2013.
36- أميليا سميث، “إيال وايزمان حول فهم السياسة من خلال فن العمارة، المستوطنات ورافضي الهجرة”، ميدل إيست مونيتور، 24 تشرين الثاني 2014.
إن الولايات المتحدة مسؤولة عن أغلبية صفقات الأسلحة في أنحاء العالم. فبحسب ذ نيويورك تايمز، وصلت مبيعات الأسلحة الأميركية في 2011 إلى رقم قياسي هو 66،3 بليون دولار، مما قزّم مبلغ روسيا، التي تحتل المرتبة الثانية، والذي هو 4،8 بليون (ثوم شانكر، “مبيعات الأسلحة الأميركية في الخارج تحتل معظم السوق العالمي، ذ نيويورك تايمز، 26 آب 2013).
37- انظر بيتر كاتزنشتاين وروبرت كيوهين، العداوات لأميركا في السياسة العالمية (2007)، خاصة المقالة التمهيدية، “تنوعات المعاداة لأميركا”.
38 - ثمة عدد كبير من الأعمال التي تركز على التحولات الديمقراطية الفاشلة و\\أو المرونة الاستبدادية، بما فيه بيلين 2002؛ لست - أوكار 2005؛ براونلي 2007؛ هاديمان 2007؛ وبربشتاين وأنغريست 2005. أكد كثير من الباحثين صلة مكتشفاتهم الأصلية، أو على الأقل مركزية المرونة الاستبدادية، في أعقاب “الربيع العربي” (بيلين 2012 هو المثال الكلاسيكي لمقولة كهذه في شكل مطبوع). إن كتاب جيليان شويلدر، الحاصل على جائزة، الإيمان بالاعتدال (2006) يجسد انشغالات متكررة مع ناشطين إسلاميين معتدلين؛ ثمة آخرون يعملون في هذا المجال يشملون ويكهام 2002، 2013؛ حميد 2014؛ بيات 2013؛ بويهلر 2013. وثمة مقالات مذكورة على نطاق واسع لأشخاص غير مختصين مثل فيش 2002، 2011؛ إنغلهارت ونوريس 2003؛ وروس 2008 مهتمة بديناميات الجندر في الشرق الأوسط وعلاقاتها بالاستبداد. ويحاول عمل آخر تحديد أي هوية ثقافية (عادة، عربية أو مسلمة) مسؤولة عن نقص سياسي معين، سواء كان الاستبداد أو التهميش الاقتصادي للنساء (ستيبان وروبنسون 2003؛ لاكوف 2004؛ ريزو وآخرون 2007). نشأت أعمال منزلية متعلة بمسح البارومتر العربي، والهدف منها اكتشاف أولويات العرب من خلال بحث مسحي ( انظر تيسلر وجمال 2006، 2008؛ تيسلر 2010؛ دياموند 2010).
39- حتى دراسات مثل دراسة جون ميرشايمر وستيفن والت اللوبي الإسرائيلي (2007)، أو دراسة روبرت بيب ميت كي يفوز (2005)، التي تطلب من الولايات المتحدة عدم الانخراط في الدَمَقْرطة أو مشروعات تحضير أخرى، ما تزال مدفوعة بالتزام بأهمية موقع أميركا في العالم، وفي حق الولايات المتحدة بالتدخل حين يدعم التدخل “المصلحة القومية”. إن هذا التوجه إلى “المصلحة القومية” قد لا يكون ليبرالياً بالطريقة التي هي بها، مثلاً، نظرية السلم الديمقراطي، لكنه مع ذلك يدافع عن نظام ليبرالي أميركي واضح بينما يفترض أن دفاعاً كهذا علمي (وبالتالي يمثل كيف هو العالم في الحقيقة) بدلاً من معياري (وبالتالي يمثل كيف ينبغي أن يكون العالم). وكما أشرنا في البداية، كان التمييز بين “يكون” و”ينبغي” عرضة لانتقادات مهمة في النظرية السياسية ولكن تم تم تجاهلها من بقية الاختصاص. إن نقطتي هنا هي التشديد على أن تمييزاً كهذا يسم تكتلاً متواصلاً بين العلم والليبرالية والإمبراطورية، حتى في دراسات تنكر مشروعات الدمقرطة الأميركية الحالية.
40- إن نسخة فظة بشكل خاص من هذه الحجة (وإعاة إنتاجها الملازمة لأسطورة عدم التدخل) هي مقالة ياسمين رايان المنشورة في 3 آذرا 2014 في ذ نيشن، “كيف بزغ بلد واحد من الربيع العربي دولة ديمقراطية”. تقول:”إن نجاح تونس قابل للعزو جزئياً إلى حقيقة أنها لم تلفت درجة الانتباه نفسها من العالم الخارجي كمثل معظم البلدان الأخرى في المنطقة… كانت انتفاضة تونس والتحول السياسي اللاحق عضويين بشكل كبير”. تثني أيضاً على ثقافتها، بمعنى (“التاريخ العميق للتقدمية” في تونس) وكذلك “مؤسساتها القوية”. أنا مدينة بالشكر لصوفيا فينر للفت انتباهي إلى هذه المقالة ولحثي على التشديد على الحالة التونسية.
41- انظر ميتشيل (1991، 2002، 2011).
42- يستخدم كتاب جاسون براونلي منع الديمقراطية: سياسة التحالف الأميركي - المصري مثال العلاقات الأميركية - المصرية كي يستقصي كيف تساعد الولايات المتحدة في تدعيم الأنظمة الاستبدادية رغم الالتزامات المعلنة بالعكس. إن الكتاب الذي يقع عند تقاطع السياسة المقارنة والعلاقات الدولية، ينتبه إلى مشاريع أميركا في صناعة الإمبراطورية في الخارج. ويركز براونلي على التناقضات في السياسة بين بلاغة تعزيز الديمقراطية والجهود المتقطعة لدعم فاعلي المجتمع المدني، من ناحية، والمحاولات لإدارة تلك المشاركة والسيطرة على الاضطرابات، من ناحية أخرى. وكما يشير براونلي بشكل صحيح، كان تحقيق الاستقرار أكثر أهمية من الحرية، سواء كان ذلك الاستقرار متجلياً في اتفاقية السادات للسلام مع إسرائيل، أو في الحفاظ على الأمن فيما كانت الحرب على الإرهاب تتفاقم في عهد مبارك. إن تفسير براونلي، التاريخي بشكل رئيسي، لسنوات جورج دبليو بوش في الفصل الثالث مضيء بشكل خاص، ويقدم مراجعات مهمة لسرديات مهيمنة نُظر فيها إلى “أجندة الحرية” الخاصة ببوش كـ “نقطة تحول استراتيجية”، كانتقال درامي إلى تعزيز الديمقراطية، أو ببساطة كتأكيد للسياسة كالمعتاد. بالأحرى، قدمت هذه الأعوام تنويعات مهمة على موضوع الإدارة الإمبريالية والتخندق الاستبدادي. إن دوزنة براونلي لدور الولايات المتحدة في تدعيم الدكتاتورية تضعه في تناقض مع كثير من علماء السياسية الذين يميلون إلى اعتناق المزاعم الأميركية بتدعيم الديمقراطية. ويتعامل مع سياسة الكيل بمكيالين، ويعرف الأشكال الجهازية للظلم التي تجعل تعزيز الديمقراطية صعب التحقيق، ويمتلك تفسيراً قائماً على بحث جيد لاتفاقيات النخبة والمصالح الاستراتيجية التي تقوض مشاركة المواطنين. وهناك، حسب علمي، كتاب واحد ينتمي للتيار الرئيسي، في علم السياسة في التاريخ الحديث حاول أن يمنح الامتياز لدور الولايات المتحدة في فهم استمرارية الاستبداد، هو كتاب أماني جمال عن الإمبراطوريات والمواطنين. تعترف جمال مثلها مثل براونلي أن المرونة الاستبدادية لا يمكن فهمها دون فحص الطرق التي تدخلت بها الولايات المتحدة من أجل سحق محاولات السكان المحليين في الدمقرطة. لكن معالجتها تختلف عن معالجة براونلي. اعتمدت على معطيات مَسْح على المستوى الفردي كي تدعم الزعم بأن الطبقات الوسطى كانت خائفة من الدمقرطة مما مكّن العواطف الشعبوية من كسب جاذبية سياسية، قائلة إن الطبقات الوسطى صدّت محاولات إصلاح رئيسي للاستبداد، وهذه حجة متناغمة مع كتاب روبرت فيتاليس حين يصطدم الرأسماليون. (ومع ذلك برهن الموقف أنه أكثر تعقيداً في سياق انتفاضات 2011. وبالرغم من أن جمال محقة في الإشارة إلى أن الشعبوية تميل إلى أن تكون معادية لأميركا في المنطقة، ولا تبدو قادرة على تفسير كيف تدعم الطبقات الوسطى أيضاً وجهات نظر شعبوية، ويمكن أنها تشدد كثيراً على علاقة الطبقة الوسطى مع المساعدة الأميركية). إن قوة كتابها، مثل كتاب براونلي، تكمن في انتباهها إلى الدور المتنوع الذي يلعبه حضور أميركي إمبراطوري في الجهود للحفاظ على الوضع الاستبدادي القائم.
43- من أجل نقاش لـ “تردد” مشترك في تخصصات الأنثروبولوجيا الوظيفية والاستشراق لمناقشة “واضحة ومنهجية” لـ “المعاني الضمنية للتطوير الأوربي للنظام السياسي للمجتمعات غير الأوربية”، انظر طلال أسد، “صورتان أوربيتان للحكم غير الأوربي”، ص 11 في الأنثروبولوجيا في لقائها مع الاستعمار.
44- تلك المقولة متوفرة هنا
:
أحاط جدل مشابه مشاركة الأطباء والممرضات في التعذيب، بما فيه الاستقالة التي حدثت مؤخراً لعدة ممرضات انخرطن في عملية التغذية القسرية في غوانتانامو.
45- لا تقتصر مشاركة علم السياسة في المشاريع الإمبراطورية على الشرق الأوسط بالطبع.
References
Abu El-Haj, Nadia. 2001. Facts on The Ground: Archaeological Practice and Territorial Self-Fashioning in Israeli Society. Chicago, IL: The University of Chicago Press
———. 2005. “Edward Said and the Political Present.” American Ethnologist 32, no. 4: 538-555.
Almond, Gabriel A. 1956. “Comparative Political Systems.” The Journal of Politics 18, no. 3: 391-409.
———. 1990. A Discipline Divided: Schools and Sects in Political Science. Newbury Park, CA: Sage.
Almond, Gabriel A., and Sidney Verba. 1963. The Civic Culture: Political Attitudes and Democracy in Five Nations. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Amar, Paul. 2013. The Security Archipelago: Human-Security States, Sexuality Politics, and the End of Neoliberalism. Durham, N.C.: Duke University Press
Anderson, Lisa. 1995. “Democracy in the Arab World: A Critique of the Political Culture Approach.” In Political Liberalization and Democratization in the Arab World, edited by Rex Brynen, Bahgat Korany, and Paul Noble, 77-92. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers.
Badiou, Alain. 2005. Metapolitics. New York: Verso.
Banfield, Edward C. 1958. The Moral Basis of a Backward Society. New York: Free Press.
Bates, Robert H., Rui J.P. de Figueiredo, Jr., and Barry R. Weingast. 1998. “The Politics of Interpretation: Rationality, Culture, and Transition.” Politics & Society 26, no. 4: 603-642.
Bayat, Asef, ed. 2013. Post-Islamism: The Changing Faces of Political Islam. New York: Oxford University Press.
Bebbington, Anthony, Michael Woolcock, Scott Guggenheim, and Elisabeth Olson, eds. 2006. The Search for Empowerment: Social Capital as Idea and Practice at the World Bank. Bloomfield, CT: Kumarian Press.
Bellin, Eva. 2002. Stalled Democracy: Capital, Labor, and the Paradox of State-Sponsored Development. Ithaca, NY: Cornell University Press.
_____. 2012. “Reconsidering the Robustness of Authoritarianism in the Middle East:
Lessons from the Arab Spring.” Comparative Politics 44 (2): 127–49.
Berkowitz, Peter, and Michael McFaul. 2005. “Studying Islam, Strengthening the Nation.” Washington Post, April 12
Binder, Leonard. 1975. “1974 Presidential Address.” MESA Bulletin 9, no. 1: 1-11.
Blaydes, Lisa, and James Lo. 2012. “One Man, One Vote, One Time? A Model of
Democratization in the Middle East.” Journal of Theoretical Politics 24 (1): 110–46.
Boix, Carles, and Daniel N. Posner. 1998. “Social Capital: Its Origins and Effects on Governmental Performance.” British Journal of Political Science 28, no. 4: 686-693.
Brady, Henry E. 1995. “Symposium on Designing Social Inquiry, Part 2: Doing Good and Doing Better.” The Political Methodologist 6, no. 2: 11-19.
Brady, Henry E., and David Collier, eds. 2004. Rethinking Social Inquiry: Diverse Tools, Shared Standards. Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
Brown, Michael Edward, Sean M. Lynn-Jones, and Steven E. Miller, eds. 1996. Debating the Democratic Peace: An International Security Reader. Cambridge MA: MIT Press.
Brownlee, Jason. 2007. Authoritarianism in an Age of Democratization. New York, NY: Cambridge University Press.
_____. 2012. Democracy Prevention: The Politics of the U.S.-Egyptian Alliance. Cambridge:
Cambridge University Press.
Buehler, Matthew. 2013. “The Threat to ‘Un-Moderate’: Moroccan Islamists and the Arab Spring.” Middle East Law and Governance 5: 1–27.
Bueno de Mesquita, Bruce, Alastair Smith, Randolph M. Siverson, and James D. Morrow. 2003.
The Logic of Political Survival. Cambridge, Mass.: MIT Press.
Bunche, Ralph J. 1954. “Presidential Address.” The American Political Science Review 48, no. 4: 961-971.
Carapico, Sheila. 2013. Political Aid and Arab Activism: Democracy Promotion, Justice, and Representation. Cambridge, UK: Cambridge University Press.
Carothers, Thomas. 2002. “The End of the Transition Paradigm.” Journal of Democracy 13,1 (January): 5-21.
Cederman, Lars-Erik. 1997. Emergent Actors in World Politics: How States and Nations Develop and Dissolve. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Chaudhry, Kirin Aziz. 1994. “The Middle East and the Political Economy of Development.” Items 48, nos. 2-3: 41-49.
———. 1997. The Price of Wealth: Economies and Institutions in the Middle East. Ithaca, NY: Cornell University Press.
Cohn, Bernard. 1996. Colonialism and Its Forms of Knowledge: The British in India. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Converse, Jean M. 1987. Survey Research in the United States: Roots and Emergence, 1890-1960. Berkeley, CA: University of California Press.
Diamond, Larry. 2010. “Why Are There No Arab Democracies?” Journal of Democracy 21 (1): 93–112.
Doyle, Michael W. 1983. “Kant, Liberal Legacies, and Foreign Affairs.” Philosophy and Public Affairs 12, no. 3: 205-235.
Easton, David. 1997. “The Future of the Postbehavioral Phase in Political Science.” In Contemporary Empirical Political Theory, edited by Kristen Renwick Monroe, 13-46. Berkeley, CA: University of California Press.
Fearon, James D. 2007. “Iraq’s Civil War.” Foreign Affairs 86 (2): 2–15.
Fish, Steven. 2011. Are Muslims Distinctive? A Look at the Evidence. New York: Oxford University Press.
_____. 2002. “Islam and Authoritarianism.” World Politics 55, no. 1: 4-37.
Foucault, Michel. 1980. Power/Knowledge: Selected Interviews & Other Writings 1972-1977, edited by Colin Gordon. Translated by Colin Gordon, Leo Marshall, John Mepham, and Kate Soper. New York: Pantheon Books.
Geertz, Clifford. 1981. Negara: The Theatre State in Nineteenth-Century Bali.
Princeton, NJ: Princeton University Press.
Gelvin, James L. 2005. The Modern Middle East: A History. New York: Oxford University Press.
Gandhi, Jennifer. 2008. Political Institutions under Dictatorship. Cambridge: Cambridge University Press
Gandhi, Jennifer, and Ellen Lust [Lust-Okar]. 2009. “Elections Under Authoritarianism.” Annual Review of Political Science 12: 403–22.
Gandhi, Jennifer, and Adam Przeworski. 2007. “Authoritarian Institutions and the Survival of Autocrats.” Comparative Political Studies 40 (11): 1279–1301.
Gould, Stephen Jay, and Richard C. Lewontin. 2004. “The Spandrels of San Marco and the Panglossian Paradigm: A Critique of the Adaptationist Programme.” In Conceptual Issues in Evolutionary Biology: Second Edition, edited by Elliott Sober, 73-90. Cambridge, MA: The MIT Press.
Greif, Avner. 1994. “Cultural Beliefs and the Organization of Society: A Historical and Theoretical Reflection on Collectivist and Individualist Societies.” The Journal of Political Economy 12, no. 5: 912-950.
Gunnell, John G. 1993. The Descent of Political Theory: The Genealogy of an American Vocation. Chicago, IL: University of Chicago Press.
Hacking, Ian. 1983. Representing and Intervening: Introductory Topics in the Philosophy of Natural Science. New York: Cambridge University Press.
Haggard, Stephan and Robert R. Kaufman. 2016. “Democratization.” Annual Review of Political Science, vol. 19.
Hall, Stuart. 1988. “The Toad in the Garden: Thatcherism among the Theorists.” In Marxism and the Interpretation of Culture, edited by Cary Nelson and Lawrence Grossberg, 35-57. Urbana, IL: University of Illinois Press.
Hamid, Shadi. 2014. Temptations of Power: Islamists and Illiberal Democracy in A New Middle East. New York: Oxford University Press.
Heaney, Michael T., and John Mark Hansen. 2006. “Building the Chicago School.” American Political Science Review 100, no. 4: 589-596.
Hempel, Carl. 1965. Aspects of Scientific Explanation and Other Essays in the Philosophy of Science. New York: Free Press.
Heydemann, Steven. 2007. “Upgrading Authoritarianism in the Arab World”. Brookings.
Hirschman, Albert O. 1984. “A Dissenter’s Confession: The Strategy of Economic Development Revisited.” In Pioneers in Development, edited by Gerald M. Meier and Dudley Seers, 87-111. New York: Oxford University Press.
Hudson, Michael C. 1995. “The Political Culture Approach to Arab Democratization: The Case for Bringing It Back in, Carefully.” In Political Liberalization and Democratization in the Arab World: Comparative Experiences, edited by Rex Brynen, Bahgat Korany, and Paul Noble, 61-76. Boulder, CO: Lynne Reinner Publishers.
Huntington, Samuel P. 1993. “The Clash of Civilizations?” Foreign Affairs 72, no. 3: 22-49.
———. 1996. The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order. New York: Touchstone.
Inglehart, Ronald, and Pippa Norris. 2003. “The True Clash of Civilizations.” Foreign Policy, 135: 62-70.
Jackman, Robert W., and Ross A. Miller. 1996. “A Renaissance of Political Culture.” American Journal of Political Science 40, no. 3: 632-659.
Jamal, Amaney Ahmed. 2012. Of Empires and Citizens: Pro-American Democracy or No Democracy at All? Princeton: Princeton University Press.
Jamal, Amaney Ahmed, and Mark Tessler. 2008. “Attitudes in the Arab World.” Journal of Democracy 19 (1): 97–110.
Johnson, James. 2006. “Consequences of Positivism: A Pragmatist Assessment.” Comparative Political Studies 39, no. 2: 224-252.
Katzenstein, Peter and Robert Keohane. 2007. Anti-Americanisms in World Politics. Ithaca, N.Y.: Cornell University Press.
Khalidi, Rashid. 2004. Resurrecting Empire: Western Footprints and America’s Perilous Path in the Middle East. New York: Beacon Press Books
King, Gary. 1989. Unifying Political Methodology: The Likelihood Theory of Statistical Inference. New York: Cambridge University Press.
King, Gary, Robert O. Keohane, and Sidney Verba. 1994. Designing Social Inquiry: Scientific Inference in Qualitative Research. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Kuper, Adam. 1999. Culture: The Anthropologists’ Account. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Laitin, David. 1993. "Letter from the Incoming President." APSA-CP (Newsletter of the Comparative Politics Section of the American Political Science Association) 4, no. 2: 3, 18.
Lakoff, Sanford A. 2004. “The Reality of Muslim Exceptionalism.” Journal of Democracy 15 (4): 133–39.
Layne, Christopher. 1994. “Kant or Cant: The Myth of the Democratic Peace.” International Security 19, no. 2: 5-49.
Lerner, Daniel. 1958. The Passing of Traditional Society: Modernizing the Middle East. Glencoe, IL: Free Press.
Levitsky, Steven and Lucan A. Way. 2010. Competitive Authoritarianism: Hybrid Regimes after the Cold War. New York, NY: Cambridge University Press.
Lewis, Bernard. 2002. What Went Wrong? Western Impact and Middle Eastern Response. New York: Oxford University Press.
Lipson, Charles. 2005. Reliable Partners: How Democracies Have Made a Separate Peace. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Lockman, Zachary. 2004. Contending Visions of the Middle East: The History and Politics of Orientalism. New York: Cambridge University Press.
Lust-Okar, Ellen. 2005. Structuring Conflict in the Arab World: Incumbents, Opponents, and Institutions. New York: Cambridge University Press.
Magaloni, Beatriz. 2006. Voting for Autocracy: Hegemonic Party Survival and its Demise in Mexico. New York, NY: Cambridge University Press.
Mahmood, Saba. 2006. “Secularism, Hermeneutics, and Empire: The Politics of Islamic Reformation.” Public Culture 18, no. 2: 323-347.
Mamdani, Mahmood. 2005. Good Muslim, Bad Muslim: America, the Cold War, and the Roots of Terror. New York: Doubleday.
Marks, Susan. 2000. The Riddle of All Constitutions: International Law, Democracy, and the Critique of Ideology. New York: Oxford University Press.
Massad, Joseph. 2001. Colonial Effects: The Making of National Identity in Jordan. New York: Columbia University Press.
_____. 2007. Desiring Arabs. Chicago: University of Chicago Press.
McClelland, David C. 1961. The Achieving Society. Princeton, NJ: Van Nostrand.
———. 1963. “National Character and Economic Growth in Turkey and Iran.” In Communications and Political Development, edited by Lucian E. Pye, 152-181. Princeton, NJ: Princeton University Press.
earsheimer, John, and Stephen M. Walt. 2007. The Israel Lobby and US Foreign Policy. New York: Farrar, Straus and Giroux.
Mehta, Uday S. 1999. Liberalism and Empire: A Study in Nineteenth-Century British Liberal Thought. Chicago, IL: Chicago University Press.
Mitchell, Timothy. 1991. Colonising Egypt: With a new preface. Berkeley: The University of California Press.
_____. 2002. Rule of Experts: Egypt, Techno-Politics, Modernity. Berkeley: The University of California Press.
_____. 2003. “The Middle East in the Past and Future of Social Science.” In The Politics of Knowledge: Area Studies and the Disciplines, edited by David Szanton, 74-118. Berkeley, CA: University of California Press.
_____. 2011. Carbon Democracy: Political Power in the Age of Oil. London: Verso.
Monroe, Kristen Renwick, ed. 2005. Perestroika! The Raucous Rebellion in Political Science. New Haven, CT: Yale University Press.
Morgenthau, Hans J. 1974 (1946). Scientific Man vs. Power Politics. Chicago, IL: Chicago University Press.
———. 2006 (1948). Politics among Nations: The Struggle for Power and Peace, seventh edition. Revised by Kenneth W. Thompson and W. David Clinton. Boston, MA: McGraw Hill.
Morris, Rosalind C. 2007. “Legacies of Derrida: Anthropology.” Annual Review of
Anthropology 36: 355-389.
Myerson, Roger B. “The Autocrat’s Credibility Problem and Foundations of the Constitutional State.” American Political Science Review 102 (1): 125–39.
Oren, Ido. 2002. Our Enemies and US: America’s Rivalries and the Making of Political Science. Ithaca, NY: Corenll University Press.
Ortner, Sherry. 1997. “Introduction.” Special issue “The Fate of ‘culture’: Geertz and Beyond.” Representations 59: 1-13.
Owen, John M. 1994. “How Liberalism Produces Democratic Peace.” International Security 19, no. 2: 87-125.
Pape, Robert A. 2005. Dying to Win: The Strategic Logic of Suicide Terrorism. New York: Random House.
Pitkin, Hanna Fenichel. 1993 (1972). Wittgenstein and Justice: On the Significance of Ludwig Wittgenstein for Social and Political Thought. Berkeley, CA: University of California Press.
Pitts, Jennifer. 2005. A Turn to Empire: The Rise of Imperial Liberalism in Britain and France. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Poovey, Mary. 1998. A History of the Modern Fact: Problems of Knowledge in the Sciences of Wealth and Society. Chicago, IL: University of Chicago Press.
Pripstein Posusney, Marsha, and Michele Penner Angrist, eds. 2005. Authoritarianism in the Middle East: Regimes and Resistance. Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers.
Putnam, Robert D., with Robert Leonardi and Raffaella Y. Nanetti. 1993. Making Democracy Work: Civic Traditions in Modern Italy. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Pye, Lucian W., and Sidney Verba, eds. 1965. Political Culture and Political Development. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Przeworski, Adam. 1985. “Marxism and Rational Choice.” Politics & Society 14, no. 4: 379-409.
———. 1991. Democracy and the Market. Cambridge, UK: Cambridge University Press
Przeworski, Adam, Michael Alvaret, José Antonio Cheibub, and Fernando Limongi. 2000. Democracy and Development. New York: Cambridge University Press.
Ricci, David M. 1984. The Tragedy of Political Science: Politics, Scholarship, and Democracy. New Haven, CT: Yale University Press
Rizzo, Helen, Abdel-Hamid Abdel-Latif, and Katherine Meyer. 2007. “The Relationship Between Gender Equality and Democracy: A Comparison of Arab versus Non-Arab Muslim Societies.” Sociology 41 (6): 1151–70.
Rogowski, Ronald. 1995. “Review: The Role of Theory and Anomaly in Social-Scientific Inference.” The American Political Science Review 89, no. 2: 467-470.
———. 1997. “Rational Choice as a Weberian View of Culture.” APSA-CP (Newsletter of the Comparative Politics Section of the American Political Science Association) 8, no. 2: 14-15.
Rosato, Sebastian. 2003. “The Flawed Logic of Democratic Peace Theory.” American Political Science Review 97, no. 4: 585-602.
Ross, Dorothy. 1991. The Origins of American Social Science. New York: Cambridge University Press.
Ross, Michael. 2008. “Oil, Islam, and Women.” American Political Science Review 102, no. 1: 107-123.
Russett, Bruce M. 1993. Grasping the Democratic Peace: Principles for a Post-Cold War World. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Said, Edward W. 1978. Orientalism. New York: Pantheon.
Sandel, Michael J. 1996. Democracy’s Discontent: America in Search of a Public Philosophy. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Schedler, Andreas. 2002a. “The Nested Game of Democratization by Elections.” International Political Science Review 23 (1): 2013-22.
_____. 2012. The Politics of Uncertainty: Sustaining and Subverting Electoral
Authoritarianism. Oxford: Oxford University.
Scott, David. 2012. “Norms of Self-Determination: Thinking Sovereignty through,” Middle East Law and Governance 4:2-3, pp. 195-224.
Schumpeter, Joseph A. 1942. Capitalism, Socialism & Democracy. New York: Harper & Brothers.
Schwedler, Jillian. 2006. Faith in Moderation: Islamist Parties in Jordan and Yemen. Cambridge, UK: Cambridge University Press.
Shapin, Steven, and Simon Schaffer. 1985. Leviathan and the Air-Pump: Hobbes, Boyle and the Experimental Life. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Shively, W. Phillips. 1995. Power and Choice: An Introduction to Political Science. Boston, MA: McGraw-Hill.
Sigelman, Lee. 2006. “The Coevolution of American Political Science and the American Political Science Review.” American Political Science Review 100, no. 4: 463-478.
Somers, Margaret R. 1995. “Narrating and Naturalizing Civil Society and Citizenship Theory: The Place of Political Culture and the Public Sphere.” Sociological Theory 13, no. 3: 229-274.
Spiro, David E. 1994. “The Insignificance of the Liberal Peace.” International Security 19, no. 2: 50-86.
Stepan, Alfred C., and Graeme B. Robertson. 2003. “An ‘Arab’ More than a ‘Muslim’
Democracy Gap.” Journal of Democracy 14 (3): 30–44.
Svolik, Milan. 2012. The Politics of Authoritarian Rule. Cambridge: Cambridge University Press.
Tessler, Mark. 2010. “Religion, Religiosity, and the Place of Islam in Political Life: Insights from the Arab Barometer Surveys.” Middle East Law and Governance 2 (2): 221–52.
Tessler, Mark, and Amaney Jamal. “Political Attitude Research in the Arab World: Emerging
Opportunities.” PS: Political Science and Politics, no. 3: 433–37.
Tilly, Charles. 1975. "Reflections on the History of European State-Making." In The Formation of National States in Western Europe, edited by Charles Tilly, 603-21. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Verba, Sidney. 1965. “Comparative Political Culture.” In Political Culture and Political Development, edited by Lucian W. Pye and Sidney Verba, 512-560. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Vitalis, Robert. 1995. When Capitalists Collide: Business Conflict and the End of Empire in Egypt. Berkeley: University of California Press.
_____. 1999. Review of The Price of Wealth: Economies and Institutions in the Middle East, by Kiren Chaudhry. International Journal of Middle East Studies 31, no. 4: 659-61.
_____. 2007. America’s Kingdom: Mythmaking on the Saudi Oil Frontier. Palo Alto: Stanford University Press.
Weber, Max. 1958 (1905). The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism. New York: Scribner’s.
Wedeen, Lisa. 2002. “Conceptualizing Culture: Possibilities for Political Science.” American Political Science Review 96, no. 4: 713-728.
———. 2007. “The Politics of Deliberation: Qat Chews as Public Spheres in Yemen.” Public Culture 19, no. 1: 59-84.
———. 2008. Peripheral Visions: Publics, Power, and Performance in Yemen. Chicago, IL: University of Chicago Press.
Wickham, Carrie Rosefsky. 2002. Mobilizing Islam: Religion, Activism, and Political Change in Egypt. New York: Columbia University Press.
______. 2013. The Muslim Brotherhood: Evolution of an Islamist Movement. Princeton, N.J.: Princeton University Press.
Wilkinson, Steven. 2010. “Data and the Study of Indian Politics.” In The Oxford Companion to Politics in India, edited by Niraja Gopal Jayal and Pratap Bhanu Mehta. New Delhi: Oxford University Press.